تلك حقيقة واقعية أن البحرينيين بعد أن تذوقوا الحرية لا يمكن أن يتنازلوا عنها لرغبة وزير هنا أو وزارة هناك.
هذه الحرية سواء على مستوى الصحافة أو المؤسسات المدنية أو الجمعيات لم تأت مهداة... انما جاءت بعد سنين من الاغتراب السياسي... بعد سنين من الكبت ومن تربع قانون أمن الدولة على صدور الناس. هذا القانون الذي قتل ابداع البحرينيين... وجعلهم يتعثرون حتى في الكلام... بعد كل ذلك... بعد هذه الاضاءات لا يمكن أن يقبل المجتمع سد منافذ الحرية أو اغلاق أبواب الابداع.
مازالت ردود الفعل على قانون أمن الصحافة السيئ الصيت في ازدياد.
ويجب ألا نلوم الناس على ذلك فمن جرب الصمت سنينا ثم تحدث وتنشق عبير جزء من الحرية لا يمكن أن يقبل بالعودة الى سياسة التكميم ووضع شريط اللصق على الفم... ربما ساء بعض الوزراء - وخصوصا من تعلموا حرق البخور أمام أي تصريح وإن كان ساذجا - ربما ساءهم ذلك النقد، وتلك المساءلات الصريحة التي تلاحق وزاراتهم وتحاسبهم على اخطائهم فما أعجبهم ذلك النقد اليومي للصحافة فأخذوا يلومون الصحافة والكتّاب على «كثرة الحديث»، حتى قال البعض «لقد اصبحت هيبة الوزراء لدى الشارع العام أقل من هيبتها سابقا»... ليس ذلك عيبا فالوزير يقدر لما يحمل من صدقية على الأرض وهناك بعض الوزراء مازالوا محل الاحترام، لأنهم احترموا الناس وراحوا يعملون من أجلهم وان غلف العمل ببرغماتية هنا وهناك... يجب ألا نلوم الذين يتكلمون الآن كثيرا من كتاب وصحافيين ومؤسسات وجمعيات ودور نشر وكل من يمتلك منبرا حرا فقد مكث هؤلاء سنوات طويلة صامتين.
والناس ما عادت تقنع في ظل الفقر والجوع وتآكل الطبقة الوسطى بربع ديمقراطية أو بتغطرس وزير هنا أو هناك.
اننا عندما نقتل الصحافة الحرة، نحن بذلك نعرض الحقيقة الى السكتة القلبية... لقد عاش الناس زمنا وهم يفطرون ويتغذون ويتعشون على أخبار لا تعرض عليهم إلا بعد مرورها بالرقيب والوزارة التي يوجه إليها نقدا... يغلف حتى يصل الى الصحافة مدحا.
يجب أن نراهن على الصحافة الحرة والقانون الحر ويجب أن نقتنع أنه عندما تصادر الصحافة فإننا لن نسمع إلا صوتا واحدا ورأيا واحدا هو رأي الوزير... ان الذين تزعجهم الآن الأصوات المتعددة والذين يحسبونها ضوضاء معذورون في ذلك لأن من عاش على المديح والتطبيل لأغراضه الخاصة فإنه لا يقنع بالرأي الآخر
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 217 - الخميس 10 أبريل 2003م الموافق 07 صفر 1424هـ