العدد 217 - الخميس 10 أبريل 2003م الموافق 07 صفر 1424هـ

نكسة متكررة: مجتمعاتنا ليست للاحتلال

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

احتلال بغداد إهانة لكل عربي ومسلم. انها الكارثة التي بدت ذروتها بالاستبداد السياسي الذي انتشر في بلداننا العربية منذ تحالف بعض العرب مع القوات البريطانية ضد الدولة العثمانية بعد وعود بالحصول على «حق تقرير المصير». ماحصلنا عليه لم يكن سوى استبداد وضياع لفلسطين. والآن غزت القوات الاميركية بغداد تحت اسم تحريرها.

كان المسلمون ولمدة خمسة قرون، من القرن الثامن الميلادي إلى القرن الثاني عشر الميلادي، يقودون أرقى حضارة عرفها العالم القديم. كانت تلك هي الفترة الذهبية للحضارة الإسلامية التي بدأت ترتفع مع تأسيس دار الحكمة في القرن الثامن في بغداد، التي كانت تحتوي على مركز لترجمة الفلسفة اليونانية، ومرصد فلكي ومكتبة ضخمة ضمّت ما توافر من جميع العلوم التي عرفتها الإنسانية آنذاك. واستمرت الحضارة الإسلامية في الازدهار حتى نهاية القرن الثاني عشر، إذ يعتبر العام 1198 م (عام وفاة الفيلسوف ابن رشد) بداية أفول تلك الفترة الذهبية. وكان المسلمون خلال فترات طويلة من تاريخهم يتنقلون بين البلدان من دون حدود جغرافية ومن دون عوائق مصطنعة بين أنواع البشر، للمشاركة في إنجازات تلك الحضارة الصاعدة.

غير أنه سرعان ما بدأت تلك الحضارة في الانتكاس، وتأكد الانتكاس في العام1258 م بغزو المغول لبغداد وتدميرها. وتزامن ذلك الانتكاس مع انتشار الاستبداد في أرجاء البلاد الإسلامية ومحاربة مصادر العلوم الإسلامية والفلسفية والطبيعية. ومع الأيام تحولت العلوم من الإنتاج العقلي - الإبداعي المعتمد على الفكر الإسلامي، إلى التكرار النقلي الرافض لسبل التقدم والازدهار. وهكذا بدأت المجتمعات الإسلامية بالانطواء على نفسها واتجه المسلمون إلى موقع الدفاع والمحافظة على ما تبقى من معالم الدين في حياة المسلمين بدلا من موقع الريادة الذي كان بأيديهم.

ولهذا السبب فإن المسلمين كانوا غائبين عن اللحاق بركب العصر الحديث عندما بدأ العصر الصناعي في بلدان أخرى في أوروبا، بدلا من حدوثه في البلاد الإسلامية. ومنذ تلك الحقبة الصناعية انقسم المسلمون على أنفسهم بين من يطالب باللحاق بأوروبا وأخذ كل شيء منها لكي تلتحق المجتمعات الإسلامية بالحقبة الصناعية، وبين من اتخذ موقف الرفض لكل ما هو إنتاج لمجتمعات غير إسلامية. وبين هذا وذاك طرح المجددون الإسلاميون (جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد إقبال وغيرهم) إمكان اللحاق بالتطور الحديث من دون التخلي عن الدين الإسلامي. بل إنهم نظّروا إلى عدم إمكان النهوض من دون الأخذ بمبادئ الدين الإسلامي في المجتمعات الإسلامية.

أما اليوم، فنحن نعيش عصر الانتكاسةالمتكررة فبعد ان كانت الحضارة الإسلامية تنقل افكارها ومنتجاتها الى ارجاء المعمورة اصبحنا اليوم آخر من يستشار في شأنه، ولم تعد قضايانا يبت فيها في حواضرنا وعواصمنا، بل اصبحنا نخبر عما سيحل بنا وعن القرار الذي اتخذ بشأننا عبر وسائل الاعلام. وفي هذه المرة تساوى الظالم مع المظلوم، والحاكم مع المحكوم، والجميع يتم اخبارهم بما سينفذ في بلادهم بواسطة مسئول لا يتحدث لغتهم ويعيش في بقعة بعيدة عنهم.

حوار حضارات ام صراع بينها، لم يعد الامر يهم كثيرا ونحن نشاهد لغة القوة تستخدم من حكامنا ضدنا ومن غزاتنا ضدنا جميعا، حكاما ومحكومين. من المسلمين من كان يرى ضرورة التحصين ومنهم من قال بالمواجهة، ومنهم من كان يرى إمكان الدخول مع الآخرين كمشاركين في حضارة اليوم ومكملين لنقص هذه الحضارة بواسطة الطرح الإسلامي ذي البعد الأخلاقي - الإنساني. هؤلاء جميعم في الهواء سواء، لان النظرة لهم تقريبا متساوية.

المسلمون ما بين داكار وجاكرتا لا يمكن القضاء على حضارتهم ولا يمكن تحويلهم إلى كيان طوبائي ليس له حياة أو دور في الحياة العامة. ان اشتداد ظروف الزمان تدعونا إلى إعادة الثقة بأنفسنا واحترام بعضنا الآخر، لان نتيجة عدم احترام بعضنا الآخر وظلم بعضنا بعضا هو تسليط من ليس له علاقة بنا علينا ولاسبيل لنا الا الاستعانة بالله اولا، والتعاون فيما بيننا من اجل مستقبل اكثر عدالة، ندير شئوننا بذاتنا من دون غزو او استعمار او استبداد

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 217 - الخميس 10 أبريل 2003م الموافق 07 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً