إن في نقض بنك انفستكورب عهده مع جموع المساهمين وإنكاره عليهم العقد والعهد الذي أبرم بشأنه في وزارة العدل وبموافقة وزارة التجارة لهو صورة من صور العقوق بالحقوق. فبعدما استفاد البنك من أصول أموال المساهمين طوال المدة منذ تأسيسه حتى اليوم الذي ارتأى فيه نفسه قويا وليس بحاجة إلى رعاية من أحد، أخذ البنك بعد أن اشتد عوده يملي شروطه ويتصرف مع المساهمين كالابن الذي أنكر على والده كل المعاناة والجهد والتعب الذي تحمله طيلة هذه الفترة.
فاليوم فقط يرى بنك انفستكورب أن صغار المساهمين يشكلون حملا ثقيلا يجب التخلص منه، ونسي، هذا البنك، أن المساهمين يحملون شهادات الأبوة والولاية القانونية على أسهم ذلك الابن، بنك انفستكورب، ولا أحد يستطيع نزعها منهم بالقوة إلا بعد أن يقروا هم ذلك الخيار طواعية وليس بالإكراه.
لا أدري كيف ولأي سبب وافقت وزارة التجارة على هذا الحكم غير العادل الذي هو بمثابة انتزاع ولاية على ابنه. هل أصبح حكم الإكراه هو منهج هذا العصر؟ وهل هو نتاج وتأثيرات ممارسات الدول الكبرى التي نراها تجسد أمامنا هذا المنهج؟ هل انتقلت عدوى إملاء الشروط وفرض حكم القوي على الضعيف بحيث يمكن اعتباره هو الحكم السائد، وعلى كل فقير وضعيف من الأفراد أو الدول التسليم ببديهياته والانقياد لأحكامه طوعا أو كرها؟
نعم، إنه منطق القوة والاستعلاء... هو فلسفة هذا العصر الحديث الذي بدأت الدول الكبرى تكرس مبادئه بالاشتراك مع مجلس الأمن، طالما أذعن له وارتضى به من لا حول لهم ولا قوة. فكما هي الحال في السياسة إذ تجبر الدول العظمى الدول الأخرى على الانصياع لأوامرها بالقوة وإلا واجهت الحرب المدمرة، فكذلك هي الحال في الاقتصاد. يجب على الفقير الانصياع لأوامر الغني وإلا واجه المصير نفسه.
بهذا المنطق حكم بنك انفستكورب على صغار المساهمين، إما أن يشتروا أسهم الكبار بضعف أثمانها، وإما أن يبيعوا ما لديهم من أسهم بنصف ثمنها المتداول في السوق
إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"العدد 216 - الأربعاء 09 أبريل 2003م الموافق 06 صفر 1424هـ