العدد 216 - الأربعاء 09 أبريل 2003م الموافق 06 صفر 1424هـ

كيف ننجح الخطاب الإسلامي؟

الوسط - سيدضياء الموسوي 

تحديث: 12 مايو 2017

في قراءتي لواقع الحركة الإسلامية ولكثيرٍ من المقاربات الفكرية التي راحت تشخص الحركة وترصد إيجابياتها وسلبياتها، من أمثال معالجات ومقاربات مركز الوحدة الإسلامية، عبر ندواته وأوراق مفكريه التي رصدت في كتبٍ أمثال: 1- الحركة الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي (مجموعة من الباحثين) 2- الحركات الإسلامية والديمقراطية (دراسة في الفكر والممارسة) 3- التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية لحيدر إبراهيم 4- الدين في المجتمع العربي (مجموعة باحثين) وغيرها من الكتب، وجدت لزاما أن تكون هناك رؤى نقدية معرفية للحركة من أجل ترشيدها والوصول بها إلى المواقع المهمة التي ينبغي أن تصل إليها خصوصا بعد سنين عاشتها من الاغتراب السياسي ومحاولات الاقصاء والتوريط في معارك وهمية أفقدتها الفاعلية على المستوى الاستراتيجي ما جعلها في حال عزلة على مستوى مواقع القرار، فأصبح الثقل للحركة متمركزا شعبيا ومفقودا في المواقع الأخرى سواء على مستوى مراكز الدول أو على مستوى مؤسسات المجتمع. بالطبع لسنا في حاجة إلى التأكيد أن معالجتنا هذه خارجة عن إطار تلك النظرات القديمة من أن النقد لا يعني إلا التشهير والإضعاف حتى لو كان بنّاء وكل ذلك في نهاية المطاف يصب في صالح الحركة ذاتها انطلاقا من الحديث (خير الإخوان من عنفك في الله). الحركة الإسلامية أمام تحديات عالمية وكونية وهي محل رصد واسقاط أيضا وليس ذلك يعني تفسيرا تآمريا أو مسكونا بنظرية المؤامرة ولكن تلك حقيقة كما قال الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه (نصر بلا حرب) بأن التحدي المقبل هو المارد الإسلامي. و«المادرية» هذه لا تتحقق بالطبع عبر خطابات انشائية أو أناشيد فلكلورية أو مؤتمرات صورية، وانما تتحقق باستراتيجية عمل وبتخريج عدد لا بأس به من المفكرين لا الخطباء، فالحركة بحاجة إلى مفكرين وليس إلى خطباء وتحتاج إلى أكبر عدد من العقول الاستراتيجية لا الفتوائية على حد تعبير عبدالله النفيسي. وكل ذلك يحتاج إلى فكر مؤسسي مبني على أفق معرفي ووعي سياسي خالٍ من المفاهيم التسهيلية أو التسطيحية التي تقرأ القضايا أو المواقع مجردة من سياقها التاريخي أو تعقيداتها الذاتية المتراكبة.

يطرح النفيسي في كتابه (الحركة الإسلامية ثغرات في الطريق)، النقد الثاني الذين نصفه استكمالا للحلقة السابقة من الأسبوع الماضي وهو:

2- نظرية علمية للاتصال بالجمهور:

تفيد الدراسات المتخصصة في علم الاجتماع السياسي أن الجمهور لا يتحمس لمساندة أي تيار إلا إذا تحقق فيه شرطان:

الأول: أن يفهم الجمهور مقاصد التيار وأهدافه، والثاني: أن يجد الجمهور لدى التيار حلا لمشكلاته الحقيقية التي يعاني منها.

يبدي النفيسي ملاحظته على هاتين النقطتين فيقول: «على الحركة الإسلامية أن تعرض نفسها على الجمهور في صورة واضحة ومفهومة وميسرة، وعليها من جانب آخر أن تحدد بعلمية وموضوعية مشكلات الجمهور، وفق معطى الواقع لا خيالات الحركة من هنا صار لزاما على الحركة أن تتحاشى الغرق في الخلافات الفقهية المتعلقة بقضايا عفا عليها الزمن ولا علاقة لها بشأن الناس». ويضيف «ان الابتعاد عن الجمهور يؤدي إلى طغيان مركبات الفشل والكراهية وروح الانعزال فتتحول الحركة إلى (فرقة) منعزلة».

بالطبع ان النظرة السوسيولوجية «الاجتماعية» التي ركز عليها النفيسي واتخذها منطلقا في كلامه هي نظرة صائبة، فالناس لا يمكن أن تتفاعل مع أية حركة ما لم تعرف مسبقا ما هي أجندات هذه الحركة وما هو مشروعها وإلى أين هي سائرة؟ وهذه المعالجة تقودنا إلى نقطة جوهرية مازالت الحركة الإسلامية لم تدركها، وهي خطورة الخطاب إذا كان مرتبكا وآخذا في الصعود والهبوط من دون أية دراسة... فالخطاب الإسلامي مازال محكوما بالأفراد وبعقلية الفرد وليس عقلية المؤسسة ولذلك نجد أن هناك أرباكا وضبابية في فهم الجمهور للخطاب وخصوصا إذا كان يتباين أحيانا وفي القضية الواحدة. بالطبع غياب المؤسسة الفاعلة وانعدام التنسيق أو الاتفاق ولو على الخطوط العامة المشتركة بين أبناء الحركة ذاتها يقود إلى هلامية ومطامية وزئبقية الخطاب، ما يضعف قوته وفاعليته وحتى صدقيته على الأرض.

لهذا ينبغي على الحركة الإسلامية أن تشكل لها مجلسا للتشاور في ذات المؤسسة - إذا وجدت - من أجل تقنين ميثاق لحركتها على أن يكون المجلس محكوما بآلية واقعية لا صورية، قائمة على أفراد علميين انتخبوا وفق إرادة نخبوية أيضا واعية لا وفق تكتلات أو (لوبي) خاص مؤدلج أحادي الجانب قائم على النظرة الخاطئة ذاتها التي تمارسها الأنظمة الدكتاتورية التي تستخدم الأفراد والمال والتزوير الانتخابي لتكون النسبة التي لم يصل إليها حتى الأنبياء 99,9 في المئة ان لم تكن 100 في المئة فالسيناريو ذاته قد يتحقق حتى لدى الحركات.

ولهذا فمشكلة الحركة الإسلامية انها تحتاج هي الأخرى إلى ميثاق شرف تمارس من خلاله الأجندة المشتركة لجميع أطيافها وأن تكون هناك خطوط يجب عدم القفز عليها أو تعبئة الشارع باتجاهها إلا بعد بلورة الموقف الواحد بين المشتركين على هذا الميثاق. لانه مازالت هناك ثغرات في الأداء العملي لبعض مواقع الحركة قائم على قاعدة «القوى أو الشاطر من يملأ كوب الجمهور أولا». لهذا يجب ألا نتعامل مع القضايا العامة والمصيرية بعقلية الفرد الواحد وقاعدة من يملأ الكوب أولا؛ لأن التفرد بالرأي عادة ما تكون مردوداته السلبية ليست على صاحب القرار فقط وانما تكون تداعياته وآثاره على المجتمع بأكمله، والإمام علي «ع» يقول: «من شاور الرجال شاركها في عقولها» والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة سواء كانت في نظام أو مؤسسة أو حزب أو مجموعة.

يقول فولتير: «إذا أردت انهاض شعب فعلمه كيف يفكر».

وهذه نقطة أخرى جديرة بالاهتمام وهي انه يجب - اضافة إلى إشراك عقول الناس، وبالذات النخب في القضايا المصيرية - يجب العمل على تعليمهم على التفكير لا تسلم الأفكار جاهزة على طريقة من يملأ الكوب أولا، بل اشراكهم في القرار لأن في المجتمع مفكرين ومثقفين ونخبا وما عادت تستهويهم تلك الخطابات المؤدلجة تأدلجا شخصيا، قائمة على عبادة الفرد.

أما المحور الآخر لنجاح الخطاب فهو: أن يرى الجمهور في الخطاب حلا لمشكلاته، فالناس في ظل الضغط المعيشي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانخفاض مستوى الدخل أصبحت بحاجة إلى مترافعين أقوياء عن همومها ومشكلاتها، وأصبح لزاما على الحركة أن ترفع من مستوى خطابها إلى أن يفكر في الدنيا وفي حل هموم ومطالب الناس كما يطرح عن نعم الآخرة، فالحديث يقول: «الدنيا أولى بها أبرارها لا فجارها». وهذا ما طرحه فهمي هويدي في كتابه «الطالبان: جند الله في المعركة الخطأ» إذ دعى الحركة الإسلامية إلى مصالحة الدنيا بطريقة قرآنية تصب في صالح المسلم وصالح آخرته. وهذا عينه ما طرحه في كتابه النقدي للحركة الإسلامية في العالم العربي وفي مصر أيضا في كتابه (التدين المنقوص) عندما راح ينتقد طريقة الخطباء الواعظين الانتقائية لمشكلات المجتمع «انهم لا يتحركون إلا عندما يكون مساس بأمور التعبد ولا نسمع لهم صوتا عندما تنتهك حقوق الناس، او تنهب أموال الفقراء، أو تسود في المجتمع قيم الكسل والتراخي والإسراف». بالطبع ان بعض هؤلاء لا يزيدون المجتمع إلا تخلفا. واستذكر هنا وصفا جميلا للشيخ محمد الغزالي وهو ينتقد بعض الخطباء في قفزهم على المسائل الجوهرية إذ كان يقول: «يعرّفون الناس - زعما - بالإسلام فلا يزيدونهم إلا جهلا، وربما صدوهم عنه... يجعلونه كائنا، محلوق الشارب، مكشر الأنياب، مكحول العينين، كميش الثياب... بينما الناس يريدون وصفا للعقل الإسلامي والحكم الإسلامي... يريدون أن يعرفوا الأسرة كما بينها الإسلام، والدنيا كما ينشدها الإسلام، وموازين العدالة كما ينصبها الإسلام». بالطبع يعد السيد محمدباقر الصدر من المفكرين القلائل الذين راحوا يسدون فراغات لمثل هذه الأسئلة لهذا أوصى الشباب المثقف والمتعطش للرؤية الإسلامية بمراجعة كتب هذا المفكر ومنها:

1- اقتصادنا، 2- فلسفتنا، 3- الأسس المنطقية للاستقراء، 4- البنك اللاربوي، فهي كتب قيمة معرفية اتكأت على التأصيل الإسلامي بلغة عصرية خالية من الإنشاء والحلول التسهيلية وتحاول معالجة هموم الناس، في بعض مواضعها





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً