العدد 216 - الأربعاء 09 أبريل 2003م الموافق 06 صفر 1424هـ

مشهد الواقع السياسي للعالم العربي والإسلامي مرعب في ظل العولمة المتوحشة!!

محمد صادق الحسيني في حوار مع«الوسط»:

أجرى الحوار - عدنان الموسوي 

تحديث: 12 مايو 2017

في حوارنا الذي دار مع الباحث الإيراني محمد صادق الحسيني تناولنا جوانب عدة من آفاق ما يمور به الواقع العربي والإسلامي من تحديات غير مسبوقة على الصعيد السياسي والثقافي والحضاري والإنساني إلى اللغة السياسية الأميركية القائمة على النظرية البوليسية «الاستقطاب أو العقاب» وثقافة الاجتياح والغزو... والفوضى والغلبة التي يحاول شرطي العالم أن ينشرها ثقافة صفراء من وراء البحار تحت عنوان كبير اسمه «العولمة المتوحشة»... ثم تناولنا في هذا الحوار بعض الملفات الإسلامية والثقافية الساخنة سواء على مستوى العالم العربي والإسلامي أم على صعيد حوار الحضارات وفوبيا الخوف من لغة مشروعات الحرب وكيفية مواجهة التحديات المفروضة علينا...

يقف العالم اليوم على مفترق طرق أمام عقيدة مفروضة ومنفرة ألا وهي إما الاستقطاب أو العقاب، فهل نحن باعتبارنا عالما عربيا وإسلاميا من الممكن أن نتعامل مع المستجدات بالأدوات السياسية والمفردات الإعلامية نفسها وما يعرف بالدعوة إلى حوار الحضارات وانه يجب أن نخترق المجتمع الأوروبي والأميركي إعلاميا وسياسيا، فما العمل في ظل خطاب ثقافة الاجتياح والغزو البربري الأميركي؟

- في الواقع هذه الصورة التي تفضلتم بعرضها مخيفة ومرعبة وسوداء وتعبر عن صورة ما بات يسمى حتى عند الغربيين وبعض فئات المجتمع الأميركي بـ «العولمة المتوحشة»، وعلى رغم ما تناولته هناك بعض الآفاق وضوء في آخر النفق لنخرج جميعا بمن فينا أبناء الشعب الأميركي على يد عقلاء القوم في ذلك المجتمع وفي مجتمعنا من خلال العودة إلى الجذور الإنسانية «الجذور الفطرية» للفكر البشري والتي تقول إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده مكتفيا عن الآخر وخصوصا أن الجانب الموضوعي في هذه العولمة هو تطور طبيعي لتدفق المعلومات وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية، ومن الخطأ أن يرى طرف بأنه مكتف عن الآخر بحد ذاته... وأن الحقيقة يملكها هو من دون أهمية للآخرين علما بأننا جميعا نعيش في مركب واحد وبسبب هذه التحديات إما أن ننجو جميعا أو نغرق، ولا تستطيع أميركا أن تقود العالم بثقافة الاجتياح والغزو وتحويل العالم إلى محور خير أو شر لاسيما أنها حددت الخير سلفا بما تراه هي وكذلك الشر، ولابد أن تواجه عملا أمميا وجماعيا بمفاهيم وثقافات وتكتلات اقتصادية وسياسية حتى تجبرها على إعادة النظر في السياسة التي تريد أن تهيمن على العالم لكي تكون أوروبا قوة أو قطبا جديدا في هذا العالم، وهناك نزوع لدى اليابان نحو التخلص من الشركة الإجبارية معها وكذلك ألمانيا ضمن القطب الأوروبي تلعب دورا لا يستهان به في هذا الاتجاه ويعمل الفرنسيون على الوقوف أمام التطلعات الأميركية المهيمنة وتلعب الصين دور الدولة الطامحة والمستقلة عن التوجهات الأميركية.

والمشكلة فينا نحن العرب والمسلمين إذ لم نستوعب هذه التحولات والتحديات لنشكل تكتلنا الخاص بنا حتى وإن بدأ صغيرا لنواجه ونستعد لما بعد انحسار القطب الواحد والهيمنة والاستيلاء وثقافة الاجتياح، وكما أعتقد أن النخبة بإمكانها أن تقوم بدور ريادي وأن تستخدم الإدارة الأقوى في هذه المواجهة وهي «العقل» وليس بالقوة فقط يمكن المواجهة، والعقل ولا غيره هو وحده الذي يستطيع أن يعيدنا إلى الموقع الصحيح في الدائرة الدولية للمواجهة.

كيف يمكننا تفعيل ما ذهبت إليه ونحن لم نسمع حتى الآن صوتا رسميا واحدا يرد، ولم تنطلق مظاهرة احتجاج شعبية في المدن العربية والإسلامية؟

- الطريق صعب وطويل، ولا يمكن القيام بهذه المهمة في ليلة واحدة وخطوة واحدة ولا في يوم واحد. وبرأيي إن أهم نقطة ننطلق منها للرد هي أن ندرس الواقع الغربي لنتعرف على العالم معرفة حقيقية حتى نستطيع أن نتآلف أو نختلف معهم، وما يجري في العالم العربي والإسلامي الآن تنطبق عليه حال «اللاوزن» وفقدان الثقل الذي يحدد دورنا في المعادلة. ولك ذلك بسبب جهلنا الشديد بما يدور حولنا من ظواهر وجهلنا بالقوة صاحبة الغلبة والقوة العسكرية والأمنية والسياسية في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية، وما أفرزه إنهاك الاستعمار الغربي الطويل لدول المنطقة، فإذا خرجنا من جهلنا ومن هذه القوقعة القطرية والحزبية والشللية التي تعيش بيننا وغيّرنا الصورة السيئة عنا وكأننا نعيش حروبا أهلية وسياسية وفكرية، حتى أصبحنا وكأننا نتغذى على موائد اللئام فسيحسب لنا ألف حساب، فنحن عالم منكفئ على ذاته ليست لنا أية مشاركة علمية وسياسية واقتصادية وتكنولوجية بعد أن كنا في غابر الأزمان من سادتها. لذلك علينا أن نتعامل مع المعلومة باحترام أكبر بدلا من أن نتعامل معها على أنها ترف فكري أو كما يسميها بعض الاخوان في النجف الأشرف «التحبيس الفكري». العولمة اليوم سلاح قوي جدا للبقاء، فكما تعلمون هناك أكثر من 400 لغة انقرضت خلال القرن الماضي في القارات المختلفة بسبب عدائها مع المعلومة واستخدام العدالة في توزيع المعلومات. فاليوم لم تعد العدالة تقتصر على توزيع الخبز بالتساوي والتي تسعى قوى التوسع إلى احتكارها حتى تقتل المقاومة لدى الأمم والشعوب.

إذا اتفقنا معك فيما تقوله، فهل هناك مبادرة قامت بها النخبة أو المراكز البحثية العربية والإسلامية بتقديم بعض الدراسات وكذلك إنشاء بنوك المعلومات لوضع أفكار وتصورات من أجل مقاومة الطوفان المقبل من وراء المحيطات والبحار؟

- للأسف الشديد نخبنا الفكرية والسياسية المتوافقة مع صانع القرار السياسي الرسمي العربي والإسلامي أو حتى المعارضة البعيدة والمستنكفة عن التعاون مع صانع القرار الرسمي لم تقدم مبادرات عملية وملموسة بل هي وكما بينت بعض الوقائع المشهورة متخلفة عن حركة الجماهير التي هي بحسها الطبيعي والغريزي استطاعت أن تعبر عن استيائها على الأقل مما يجري، والواقع يطالبنا بنقلة حقيقية في منهج النخب سواء التي تعمل مع صانع القرار أو المعارضة التي لا نراها تتحرك إلا كرد فعل أو انها تطرب وترقص وتصنع اللحن الذي يريد أن يسمعه الحكام وهو على عكس ما هو موجود في العام الغربي، وجنوب شرق آسيا، فهناك يقدمون الدراسات والأبحاث التي يستفيد منها صاحب القرار ويستند إليها في صناعة الحوادث، بينما نحن فصاحب القرار يقرر بعيدا عن مشاورتنا وإذا ضاقت به السبل يطالبنا بأن نهيئ له الديكور المناسب والمشهد الإعلامي الذي يعبر فيه عن إعلانه ورغبته في هذه القضية أو تلك عبر واجهة الجماهير، وبذلك فنحن نقدم إليه التصور بحسب ما يريد وعلى المقاس الذي يريده والنمط الذي يرغب فيه، وهذه مضرة بالنسبة إلى الحاكم والمعارضة أو النخبة، لأن ذلك يجعله - أي الحاكم - يجلس معنا على مقعد واحد ولا يستطيع أن يبدي أية مقاومة في حال التفاوض البروتوكولي مع الآخر. وللأسف فغالبا ما تأخذ النخب مثل هذا الأمر بحسن نية.

لكن ألا تعتقد أن أصحاب القرار الرسمي وبعض النخب المهزومة في أعماقها قد ارتضت لنفسها منذ أمد بعيد أن تكون «كومبارس» على مسرح السياسة الإقليمية والدولية... وإذا كان الأمر كذلك فماذا تنتظر أن تفعل على صعيد المواجهة؟

- نعم لقد تولدت لدينا قناعة راسخة بقابلية الاستعمار... وللأسف ارتضينا أن نلعب الأدوار الصغرى في المسرحيات الكبرى التي تدور رحاها بين ربوعنا، ارتضينا ذلك لأنفسنا بوجود رغبة وإصرار واضح من الآخر على استعمالنا وقتما يشاء، لكنني على رغم هذا المشهد المخيف والمرعب أجد هناك فرصة تاريخية فرضتها علينا الحوادث والتحديات والجماهير وأن علينا أن نعيد النظر باعتبارنا نخب مجتمع مدني وسياسي في هذه الآليات وهذا الكسل والتراخي وانتظار الحدث حتى نعلق عليه ونواجهه ولنبدأ نحن بالمبادرة.

*... ألا تتفق معي على أن «فوبيا» الخوف من الصحوة الإسلامية هو ما يدفع أفيال ثقافة الغلبة إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عبر شق عصا الحرب الحضارية «الصليبية» الرابعة حتى وإن غلفت بغلاف السلام والمحبة والديمقراطية لإدارة العالم العربي والإسلامي بفوضوية مطلقة، فهم يعملون بتوقيت الزمان العربي والإسلامي على الساعة الأميركية والصهيونية؟

- هذا السؤال مهم وأساسي أمام ما نشهده، وكما قلت ان آخر ما نملك من سلاح تركه لنا الخالق عز وجلّ وخاتم الأنبياء محمد (ص) هو العقل ومن المهم جدا أن نقدم الإسلام والشريعة على أنه دين الحوار والتسامح والمحبة وهو دين العدالة والرحمة لأبناء البشرية قاطبة ولا نقدمه على أنه - عقيدة متزمتة سمجة - يريد مقاتلة العالم. فالدين الإسلامي بكل ما اشتمل عليه القرآن دين عالمي وليس حكرا على أبناء الأمة الإسلامية وإلا كيف أصبح صالحا لكل زمان ومكان... هذه الصورة يجب أن نقدمها والأمر الآخر الذي يجب أن ننزعه هو محاولة التشويه المقصودة بتصوير العالم العربي والإسلامي على أنه مصدر شرور هذا العالم وهذا ليس صحيحا.

وعلى أوروبا بجماهيرها ألا يعميها خطر الصهيونية التي خدعت الرأي العام العالمي بتصوير نفسها على انها حمامة سلام وانها الدولة المحبة للسلام. ولا أكتم سرا إذا قالت إنه وعندما بدأ العالم يعري حقيقة «إسرائيل» في مؤتمر «دربن» بجنوب افريقيا باعتبار الصهيونية تساوي العنصرية بدأوا بهذا الانقلاب الخطير وأشاعوا شعار «الإسلام يساوي الإرهاب» واستطاعوا أن يستغلوا بعض تصرفات بني جلدتنا التي حسبت على الإسلام أسوأ استغلال في إطار مؤامرة غربية مشحونة بكل عوامل الحقد والتحامل والتعسف بغية إعادة التاريخ إلى الوراء... إلى عهود السيطرة والاستعمار... ولا سبيل لكسر هذه الهجمة إلا بالمقاومة، لأن القرآن الذي علمنا الحوار علمنا المقاومة، وليس شرطا أن تكون المقاومة هي الرصاص فقط... بل بالحوار والمطارحة الفكرية وأشكال المقاومة كافة ولكننا حينما نواجه بالقتال الجماعي في فلسطين وشلال الدم في العراق والغزو العسكري يجب أن نقاوم بالسلاح والاستشهاد رافعي الرأس وهذا ما تقره كل الشرائع السماوية والقوانين والأعراف الوضعية والدولية.

وكيف يمكن لنا ذلك والجعبة الثقافية العربية والإسلامية تعيش ندرة الدراسات الإبداعية الجادة في تلمس الخروج من تيه الجمود والتخلف والنسخ والتكرار والتلقين وأحيانا فقدان الهوية... ألا ترى اننا مارسنا القسوة حتى مع ثقافتنا وأنفسنا؟

- أعتقد أن ما تفضلت به صحيحا فيما يخص فقدان الهوية التي أشرت إليه والحروب الأهلية الفكرية التي نعيشها فيما بيننا التي جعلتنا أشبه بالمرايا المتكسرة التي تعكس صورة مشوهة، فلا نحن قادرون على التمسك بالأصالة وليست لدينا الجرأة على الالتحاق بركب الحداثة وحتى وإن أردنا فالغرب يجتاحنا بليبراليته ومدارسه الفكرية عمليا بسبب ما قلت عنه أنت في سياق الحديث عن معادلة الغلبة ونحن واقعون في الغرب والغرب يرفضنا حتى وان أردنا، وينظر بعض فلاسفتنا أن ننتمي إلى الفكر الغربي فإنهم لا يقبلون لأن هناك تنافرا وانقطاعا حقيقيا، وهناك دعوات إلى جر التاريخ إلى الماضي، كل هذا صحيح ولكن الصحيح أيضا في جعبتنا الثقافية ما يجعلنا قادرين على ان نجتاز المرحلة وذلك بتحقيق الشرط الموضوعي وهو أن نفسح لأبناء جلدتنا من العلماء والمفكرين والباحثين في بلادنا بأن يعملوا ويجتهدوا من دون تفكير أو تخوين أو الطرد من الملة والدين، ومن دون إضافة القدسية على التراث. فالتراث إنجاز إنساني محترم ومقبول وقابل للتجديد «والفكر الديني قابل للتجديد وليس الدين». أما أن نتقوقع على أنفسنا ونقابل ما يواجهنا بالصراخ والعويل فهذا لا يجوز، وما يهمنا الآن التعاطي على أساس المستجدات أو كما يعرفه العلماء بـ «الأمور المستحدثة».

*... ألا ترى أن حرب الديمقراطية المزعومة وإن بدت في ظاهرها حرب الكارتل النفطي الأميركي هي في عمق الأعماق حرب حضارية وأن هذا الأمر لا يمكن أن يختلف عليه اثنان؟

- نعم. يتحدثون عن هذا بصراحة أحيانا وفي أحيان أخرى يلبسونه لباسا ظاهريا وجذابا لكن أيا كان خطابهم فما سميته بالحرب الحضارية هو جوهر هذا الطرح، وهو ما أعلنه بشكل فج بعض أعضاء الإدارة الأميركية... انه يريدون وقف هذه النهضة الحضارية في بلادنا... ويريدون عرقلة عودة عصر الشعوب الذي تتملكه نزعة الاستقلال والحرية وخصوصا من براثن سلطة القطب الواحد الذي نصب نفسه شرطيا على العالم من دون استئذان من أحد، وهذا ما نراه من خلال تعميم ثقافة الدكتاتورية والاستبداد في العلاقات الدولية، ويريدون عبر الدعوة إلى العولمة المتوحشة خلق ثقافة وحضارة واحدة وما العراق إلا نموذج يحاولون أن يقدموه إلينا كمثال من أجل إلحاقنا كولايات تابعة إلى ولاياتهم وبإشراف عسكري أميركي صهيوني ولو بعد حين.

ولكن لماذا نعيب زماننا والعيب فينا، فنحن أسقطنا ثقافة «لا» في علاقاتنا معهم... والقضية ليست دكتاتورية في العلاقات الدولية وإنما أكبر من ذلك، فهم وضعوا الخطط منذ العام 1993م بالطابق السادس في وزارة الخارجية الأميركية من أجل إعادة تقسيم المنطقة وبالذات الخليج بحيث تقتصر الجغرافيا السياسية على ثلاث أو أربع دول... ولعل من أهم ملامح هذه الاستراتيجية ما نراه الآن، فأميركا قد أمركت القضايا العربية / العربية والعربية الصهيونية، والعربية الإسلامية ولذلك فهي تتصرف الآن وكأن هذه القضايا هي بالدرجة الأولى أميركية وليست إقليمية أو عربية وإسلامية تخص دول المنطقة، وعلى رغم ذلك نقول أما حان الوقت للقفز على الخلافات والتعقيدات السياسية بين دول المنطقة؟

- حتمية القدر بالنسبة إلينا هي أن نعمل على تشكيل نواة للتعاون والتكامل العربي والإسلامي وقيام تكتل اقتصادي عربي/ إسلامي يمكن تطويره على غرار التعاون الأوروبي أو نوع من الكتلة الاقتصادية والسياسية والحضارية والثقافية لكي تضمن البقاء ليس لهذه الدول فقط وإنما لشعوبها وثقافتها المحلية، وأمام ما يخطط له لابد وأن يوضع مثل هذا الأمر بشكل جدي على طاولة صناع القرار في المنطقة العربية والإسلامية للوصول إلى الحد الأدنى ووضع التصورات لمواجهة البرامج الموجودة على طاولة المخططين لثقافات التفتيت والغزو، وأعتقد أن هذا الأمر يتطلب أكثر من تكتل اقتصادي بل يحتاج إلى وقفة لمواجهة هذا التحدي الخطير على كيانات هذه المنطقة فما تقوم به الولايات المتحدة اليوم من ممارسات مبدأ خطير في العلاقات الدولية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً