العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ

هل كسبت الصين معركة ضم تايوان؟

«القطب الصاعد» يستفيد من كسر الردع الاستراتيجي

أحمد مغربي comments [at] alwasatnews.com

الصين، هي هي الشبح الحاضر في الحرب الأميركية على العراق؟ لم يتردد بلد المليار وربع الميار نسمة في تجنب الأزمة التي تصدرت المسرح الدولي منذ سبتمبر/أيلول 2002. في نقاشات مجلس الأمن، لازمت الصين الموقف الفرنسي المعارض للموقف الأميركي. وتكرارا، أعلنت تأييدها لاستمرار عمل المفتشين في البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، وهو أمر رفضه الأميركيون بإصرار. وعندما تقدم المحور الأميركي ـ البريطاني ـ الاسباني بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يشرّع استخدام القوة في نزع أسلحة العراق، اصطفت الصين إلى جانب فرنسا وروسيا في التلويح باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد ذلك المشروع. ومنذ بدء الحرب، يكاد لا يمر يوم من دون تصريح من كبار الساسة الصينيين عن ضرورة توقف الحرب فورا. إذا، ثمة «تغريدة» صينية مديدة في هذه الأزمة الحساسة.

هل يمكن إضافة البعد الكوري إلى هذه «التغريدة»؟ ففي سياق الأزمة، رمت كوريا الولايات المتحدة بقفاز تحدٍ غير مألوف. وبينما كانت الولايات المتحدة تجهد، من غير طائل، في اقناع المجتمع الدولي بأن العراق استأنف برنامجه الذري، أعلنت كوريا صراحة أنها استأنفت برنامجها. ورمت جانبا اتفاق عقدته مع الرئيس السابق بيل كلينتون عن إخضاع برامجها لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعندما بدا واضحا أن أميركا لا تملك دليلا يثبت خروج برامج العراق الذرية عن الرقابة الدولية، تباهت كوريا علنا بطرد مراقبي الأمم المتحدة ووكالتها. وكسرت كاميرا المراقبة على مشروعها الذري. وبالصوت العالي، قالت إنها استأنفت التسلح الذري. وقبيل الحرب، بدا الرئيس بوش (الابن) وكأنه يجهد في تبرير ضربة استباقية للعراق. واستغلت كوريا السانحة لتهدد الولايات المتحدة نفسها بضربة ذرية استباقية. وبصراحة، تذرعت كوريا بالمنطق الأميركي نفسه. وقالت إنه إذا كان من حق الولايات المتحدة أن تضرب بلدا ما استباقا لخطره على أمنها، فإنه من حق كوريا أن تفعل الأمر نفسه. وبديهي أن المنطق الكوري طرح تحديا صعبا على المنطق الأميركي، وأسهم في إضعافه، كما ظهر في نقاشات مجلس الأمن التي سبقت الحرب.

لا أحد يشك في أن مفتاح بيونغ يانغ هو في بكين. ما الذي يقف وراء كل هذا التحدي؟

ما يزيد من صعوبة الإجابة هو الشاطئ الآخر في العلاقات الأميركية ـ الصينية. فمنذ سياسة بيونغ يانغ التي استهلها وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر في منتصف السبعينات، تحقق العلاقة بين البلدين تقدما لا يتوقف عن التزايد. والدلائل كثيرة.

ومن عناوين مثل هذه المتغيرات: التخلي عن الاشتراكية الصارمة، الميل المتزايد إلى النموذج الرأسمالي، الانفتاح على الشركات العالمية في الاستثمارات، والتعاطي بإيجابية مع صندوق النقد الدولي، و... و... و... الدخول إلى منظمة التجارة العالمية.

ويذكر أن تقارير أميركية عدة صدرت عن جهات نافذة في المؤسسة السياسية، مثل «وكالة المخابرات المركزية» و«مؤسسة راند للأبحاث» و«مركز الأبحاث الاستراتيجية» وغيرها، تجمع كلها على وصف الصين باعتبارها أبرز متغير في المسرح الدولي. ولم يتوان كثير من خبراء هذه المؤسسات عن وصف الصين بأنها «القطب الصاعد» للقرن 21، أي أنها «نقيض» أميركا والتحدي الأساسي الاستراتيجي للولايات المتحدة خلال القرن الحالي.

ومن هذه الزاوية يمكن التأمل مليا في الموقف الصيني من الأزمة العراقية، وخصوصا إذا نظر إلى الحرب الحالية باعتبارها المخاض الحار الذي ترسم عبره خطوط التوازن بين القوى الدولية التي ستمسك بموازين القوى في العالم كله.

هل تحاول الصين أن تصوغ «توازنا» معينا بينها وبين أميركا عبر مواقفها في الأزمة العراقية؟

لنأخذ مثالا أكثر تحديدا. تايوان. تملك الصين تطلعا لا تخفى مراميه حيال تلك الجزيرة التي تعتبرها جزءا من أرضها الوطنية. وفي السياسة الدولية، تصوغ الصين هذا الطموح تحت شعار «صين واحدة». واستطاعت أن تفرض هذا الشعار على الولايات المتحدة. وفي الأيام الأولى من ولاية بوش، دخلت العلاقة الأميركية الصينية في اختبار قوة عبر أزمة طائرة التجسس الأميركية التي أرغمها الصينيون على الهبوط في أراضيهم بالقوة. ولم يخفوا اهتمامهم بالحصول على أجهزة التكنولوجيا العسكرية المتقدمة فيها. ولم تعد تلك الطائرة إلى أميركا إلا بعد تكريس «صين واحدة» باعتباره أساسا في تعامل إدارة بوش مع الصين، إضافة إلى المكاسب التكنولوجية المهمة. ويذكر أن الفارق التقني يلعب دورا مهما في التوازن القلق بين تايبييه وبكين. وتعتبر تايوان كل تقدم صيني نحو التكنولوجيا المتطورة، خطوة تردم تلك الهوة، وبالتالي تزيد من مخاطر ضمها بالقوة العسكرية إلى الوطن الأم. وتعتمد تايوان في الحفاظ على استقلالها على الولايات المتحدة وقوتها. وبعبارة أخرى، فإن قدرة أميركا على الردع الاستراتيجي، إضافة إلى الأمم المتحدة، هي ضمان استقلال تايوان.

ما الذي فعلته الحرب على العراق بـ «الردع الاستراتيجي»؟ بذهابه إلى حرب من دون تفويض من الأمم المتحدة، هز بوش ركنا ثابتا في قدرة الأمم المتحدة، باعتبارها ممثلا للمجتمع الدولي، على ردع الدول المعتدية عند اللزوم. ومن ناحية ثانية، أعطى سابقة على قيام دولة أكبر بإلغاء واستقلال دولة أصغر، بمبرر ما تراه الدولة الأقوى مصلحة عليا لها. وإذا شنت الصين حرب «توحيد» مع تايوان، فستوفر لها الحرب العراقية مبررا لا يستهان بقوته.

ومع الحرب، انكسرت الأمم المتحدة بوصفها أداة للردع الاستراتيجي. ولم يعد بإمكان الأمم المتحدة أن تقول «لا» قوية في وجه مغامرة عسكرية للصين ضد تايوان، إذا حصلت تلك الحرب. وأحدثت الحرب شرخا لا يستهان به في منظمة عسكرية دولية وازنة هي: حلف شمال الأطلسي. ومن الصعب الحديث راهنا عن قدرة هذه المؤسسة على الردع المؤثر دوليا.

ولا يمكن التعويل على «عزل» الصين اقتصاديا عبر فرض مقاطعة دولية. وإضافة إلى غياب التوافق الدولي بفعل الحرب، فإن الشركات العالمية كلها، وفي مقدمتها الشركات الأميركية، تتسابق لنيل حصة ما في السوق الصينية المذهلة. وكمثال، فإن معظم شركات الكمبيوتر الأميركية تبذل جهدا كبيرا من أجل الدخول إلى الصين. وأقام معظمها مجموعة فروع أساسية في ذلك البلد. ويرجح أن المقاطعة الاقتصادية للصين هي هدف بعيد المنال، إن لم يكن شبه مستحيل.

هذا عن الردع الدولي، ولا يقل أثر الحرب ضد العراق سلبيا على الردع الاستراتيجي الذي تحوزه الولايات المتحدة نفسها. والحال ان الحرب الحالية، وبغض النظر عن الفائز والخاسر، هزت صورة القوة الأميركية. وإذا كان بإمكان «أم قصر» أن تقاتل التحالف الأميركي - البريطاني لمدة أسبوع وأكثر، فأي ردع يمكنه أن يردع الإرادة السياسية في الصين؟

يبقى التعويل على الردع الذري. والحال الصين هي دولة ذرية تملك صواريخ عابرة للقارات. وفي السنة الحالية، وصلت القدرة الصاروخية الصينية إلى مستوى صنع صواريخ تحمل مركبات إلى الفضاء. ولعل هذا يعود بالكلام إلى كوريا. ولعله ليس عبثا أنها هددت بضرب أميركا ذريا بواسطة صواريخها الاستراتيجية. إن لم يكن ممكنا احتلال بغداد بسهولة، وإن لم يكن ممكنا الرد على تحديات بيونغ يانغ باستخدام السلاح الذري، فكيف يمكن للولايات المتحدة أن تردع أي عمل عسكري للصين؟ مجرد سؤال

العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً