بدأ الناس يتساءلون: لماذا يُجرجر الصحافيون إلى المحاكم؟ ومن المستفيد من قانون الصحافة البحرينية القائم على تكميم الأفواه وقطع الألسن وبتر أصابع الكتّاب؟ بدأ الوجوم يعتلي وجوه المراقبين، وبدأ الناس يهمسون في آذان بعضهم: ما الذي حدث؟ ومن المنتفع من وراء عودة قانون أمن الدولة؟ ولماذا يسلط بعض المتنفذين لاستغلال المنصب والنفوذ لضرب الحرية والصحافة الحرة لأنه فقط وفقط يمتلك حصة من الصحافة في السوق؟ ألا يعد ذلك استغلالا للمنصب وللموقع لأغراض شخصية؟
والناس تتساءل، إذ وصلت إلينا العشرات من الاتصالات و«الإيميلات» عن تضامنها مع الكتّاب والصحافيين الأحرار الذين أخذوا على عاتقهم المجاهرة بالصوت الوطني المحارب للفساد وللإقطاع وللسياسات الخاطئة من تجنيس عشوائي وامتلاك أراضٍ واستغلال للمال العام وتحويل الوزارة إلى مزارع خاصة، إذ أصبح بعض الوزراء يتعاطون مع وزاراتهم على أنها مزارع خاصة.
وصلت إلينا رسائل تضامنية كثيرة اقتطع بعض أجزائها لنصور جزءا من نبض الشارع وتذمره لما رآه من قانون أمن الصحافة السيئ الصيت.
يقول م ح: «إن بعض هذه الوزارات عاشت لا تسمع إلا دوي التصفيق والهتاف، فيزعجها كثيرا أن تسمع كلمات النقد والمقالات المعارضة... نحن كمجتمع لا يمكن أن نقبل ـ بعد كل هذه التطمينات ـ بإبر التخذير الإعلامي ولا يمكن أن يفرض علينا كُتاب رسميون، فالكاتب الوطني لا يمكن أن يُفرض على الناس بقرار رسمي».
وقال ج ج: «بعض هؤلاء توهموا بأن البحرين لا تنتصر إلا وهي مقيدة اليدين والساقين ومكممة الفم ومعصوبة العينين... إن مثل هؤلاء الوزراء يعتقدون ذلك، بيد أن التجربة أثبتت أن البحرين لا تكون ولا يعلو بيرقها إلا بالحرية... لماذا الآن يجرجر الصحافيون ويبقى بعض من سرقوا البلاد فهربوا ثم عادوا أحرارا، أليس أولى بالعدالة أن تحاكم من قتل الناس ومن سرق أموال الناس؟».
هذه صحافة أولى أن تسمى بصحافة المباخر... فالصحافة ما لم تتكلم عن الفقراء والمتضررين من سياسة «الواو» فهي صحافة هزيلة وهي سَلَطة وليست سُلطة رابعة...
المجتمع اليوم يبحث عن الصحافة التي تتحدث عنه، تترافع عن همومه، تتكلم عن أوجاعه. تلك الصحافة المخيفة التي تساءل الوزير (أي وزير) من أين صنع امبراطوريته المالية أو الإعلامية؟ في حين أن راتبه لا يؤهله لكل هذا الثراء المخيف.
بالقانون الجديد أصبحت الصحافة مكممة والصحافيون مكممين بالقيود... بجرة قلم تُقاد إلى السجن، ولكن على رغم ذلك سيتكلم الصحافيون عن أي خلل يرونه في أي قطاع لأنهم يرون في النقد الوجه الآخر للوطنية، والتصفيق المطلق الانتهازي الوجه الآخر للقضاء على الحرية والكرامة والإبداع.
الكاتب النزيه يبحث عن لقمة عيش مغموسة في الصدق لا في الكذب الإعلامي والدجل الصحافي... إن سر نجاح الصحافي هو الصدقية. فالإنسان بطبيعته لا يميل إلى التأييد المستمر الذي ليس فيه نقد ولا توجيه... إننا مؤمنون بأن الوطن لا يمكن أن يحيا بألسنة مقطوعة وبأصابع لا تعرف إلا لغة التصفيق
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ