العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ

الجامعة والمجتمع

خليل عبدعلي خليل comments [at] alwasatnews.com

علاقة الجامعة بالمجتمع، والمجتمع بالجامعة، لا يمكن عزلها عن سياقها التاريخي والمعرفي والثقافي في عمليات البناء والمعالجة التي تقوم بها الأمم لنهوض وتحديث وتطوير مقدراتها وإمكاناتها. ودور الجامعة لا يقتصر فقط على تصدير العلم والنظريات، وإنما يتعدى ذلك إلى آفاق رحبة لإيجاد حال من التوازن وتشخيص حال المجتمع، وتقديم العلاج الأمثل للمعضلات التي يشكو منها «الجسد الكبير» اذا اعتبرنا أن مجتمع الجامعة مختبر مصغر لما يدور في فلك المجتمع.

واعتبار الجامعة مراقبا للعلم والأخلاق قد يسهل من فك العقد المحيطة بمفهوم «الجامعة والمجتمع»، ويمكننا من فهم العلاقة المحورية التي تربط الجامعة بالمجتمع والعكس. وعمل الجامعة في الاتجاه (العلمي - الأخلاقي) لا يكون بمعزل عن الحوادث التي تقع في المجتمع، وهو وثيق الصلة بثقافات الأفراد وحاجاتهم وتطلعاتهم ورغباتهم، ويتجاوزها بمراحل أكبر إلى حيث التنبؤ والاستقراء، لذلك يقال: «الجامعة متقدمة بمئات السنين عن المجتمع»، وإذا انقلب الوضع فتلك مصيبة.

ويبرز هنا دور البحوث العلمية التي تسهم بشكل كبير في تقدم العلوم، وهي أدوات لاستكشاف وقراءة الواقع، يقوم بها رجال العلم الأكاديميون الذي نذروا أنفسهم لخدمة العلم والمجتمع. هذه البحوث تلقى اهتماما ودعما منقطع النطير في الدول الغربية، ويعتبرونه جوهر العمل الأكاديمي، ويتفرغ الأساتذة للقيام ببحوثهم العلمية من دون مضايقة أو استخفاف بعملهم، وتكون نتيجة ذلك قفزات علمية في شتى مجالات المعرفة مثل اكتشاف الذرة وثورة الحاسوب وشبكة الانترنت. وبناء ثقافة الطالب على الوهج المعرفي البحثي غائب في الجامعات العربية اذ ينظر باستخفاف إلى قيمة البحوث العلمية على أنها «مضيعة للوقت ولا فائدة منها». ويقوم معظم الطلبة بالتدرب على اجراء البحوث ليس بهدف تحصيل العلم وحب الاستكشاف، وإنما من باب أنهم أنجزوا بحثا لترصد لهم الدرجات ويتخرجوا حالهم حال الأفواج التي تخرجت قبلهم. وهي نقطة حساسة تسببت في تأخر الدور الواجب على الجامعة القيام به تجاه المجتمع وأفراده.

وجانب مهم آخر في علاقة (الجامعة بالمجتمع) هو المخرجات التعليمية وحاجة السوق. فهل تقوم الجامعة بطرح التخصصات الأكاديمية بعيدا عما تحتاج إليه السوق من موظفين ومعلمين؟ أم لابد من مراعاة الجامعة هذه الاحتياجات وعليها أن تحجب بعضا من التخصصات كي تمنع وجود بطالة وتأزم وظيفي؟ وهي اشكالية معقدة، فلا يمكن عزل الجامعة عن محيطها، إذ ستتفكك علاقتها بالمجتمع، ولا يمكن في الطرف الآخر أن تُفرض على الجامعة حدود معينة تعرقل من وظيفتها وتحجم من دورها التعليمي، وحرية الأفراد في تلقي ما يشاؤون من تعليم. والرأي الأول يلقى رواجا شديدا في أوساط المجتمع باعتباره لا يريد لخريجيها أن يكتووا بحرارة التعطل عن العمل. وفي المجتمعات المتقدمة، لا تشكل أعداد الخريجين الكبيرة معضلة حقيقية للسوق، اذ هي مرتبطة بمقومات الاقتصاد الذي ينمو بشكل مطرد ولا يتوقف.

إن علاقة (الجامعة بالمجتمع) تسير في اتجاهين وليس في اتجاه واحد كما يتصور البعض، فدور الجامعة تجاه المجتمع هو جزء مترابط ونسيج واحد من العلاقة التعاكسية التي تربط أفراد المجتمع بالجامعة

العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً