هل يمكن الحديث عن خصوصية إبداعية أو فنية في الرواية التي تصدر في منطقة الخليج؟ وهل اجترحت هذه الرواية نهجا معينا سلكته لتفتح لها آفاقا جديدة، تضاف إلى المتراكم من مجمل التجربة العربية، التي شيدت بنيانا عظيما، وأبلت بلاء فنيا وتجريبا شائقا؟ وهل استطاعت هذه الرواية أن تقترح على قارئها أشكالا جديدة من التميز السردي، واللعب التقني مقابل السيل الشاخص الوافر الآتي من فضاءات جغرافية أخرى؟ وهل ثمة تجارب معينة استطاعت أن تؤسس لنفسها قاعدة قرائية/ نقدية بناء على إمتاع روائي حقيقي؟ وأخيرا هل نجحت هذه الرواية في استقطاب القراء إليها بجميع تصنيفاتهم، بحيث يجدون المتعة والسلوى أمامهم في نصوص السرد، بما هي حدود متاخمة للحيز الأنثروبولوجي، وبما هي قراءة فنية شاهدة على الحراك الاجتماعي والسياسي لمجتمعاتهم الحاملة خصوصيات جمة، لا تتوافر في المجتمعات الأخرى، أو بما هي استعادة وإعادة تدوين للتاريخ الشعبي الشفاهي؟ إجابة على الأسئلة السابقة يمكن القول باطمئنان، انه لم تتشكل بعد حركة جيل يقدم عطاءاته في أي قطر من هذه الأقطار، وحاصل الموجود اجتهادات فردية متذبذبة المستوى، إلا أن المشهد السعودي أكثر ثراء من غيره... فهناك الكثير من الأسماء التي لاقت أعمالها الانتشار والتداول، نذكر منها: غازي القصيبي، ورجاء عالم، والمرحوم عبدالعزيز مشري، وعلي الدميني، وعبده خال وغيرهم. وسنعرض في هذا السياق لجهد روائي خلاق، لا يقل إبداعا وسبرا للذات الإنسانية المعذبة. إنه الروائي السعودي «عبده خال» الذي اعتمدت محركات أعماله على دفع ذاتي إنساني وعلى موروث شعبي، وفي إطار زمني يبدو قريبا جدا يمكن تأطيره في منتصف القرن الماضي وأوائل الستينات، وعلى شخصيات متصعلكة قد تكون مؤشرا لما يحدث في الأزقة خلف أسوار المدينة الشاهقة... إن أهمية هذه التجربة أنها تأتي بحمولات خطرة، وبلغة متينة شاعرية جذابة، وتتملص ببراعة من أنياب ما يسمى بالرقيب، وتحكي حكايات صغيرة تتمحور حولها نصوصه، لكنها تتواصل بزخم دلالي مؤثر مع الفضاء العربي العام. خال صوت مقبل من عتبات «جدة» المدينة التي أحبها وإن كان عمليا ينتمي لأخرى، المدينة المتاخمة للبحر، والمنفتحة على العالم، المدينة الكوزموبوليتانية ذات الواجهات التجارية العملاقة، العاشقة لكرة القدم، والمنجبة لأبرز الأسماء الأدبية، والحاضنة لثقافات متعددة انصهرت جميعا لتمثل فرادة. في رصيده 4 روايات هي: «الموت يمر من هنا» 1995، «مدن لا تأكل العشب» 1998، و«الأيام لا تخبئ أحدا» 2002م، و«الطين» 2002. وقد أعلن خلال هذه الأعمال الأربعة عن نفسه بقوة السرد، وبجبروت التخييل، وبعشق الأحياء الخلفية الضامة أنماط الورع والتقوى، وللفئات الطفيلية كذلك، وللقهر الإنساني العظيم، وإن كان خط بيانه الإبداعي في تنازل مستمر بعكس المفترض كون التجربة الروائية تختمر فتتصاعد، فأبرز أعماله كانت الرواية الأولى التي لم تقرأ عموما إلا بعد إصدار الثانية والتي لفتت الأنظار بقوة إلى هذا القاص المتميز، ثم جاءت روايته الثالثة لتقدم إضافة... وأخيرا الرابعة التي وزعت تجاريا مطلع السنة الجارية. يعتمد خال بنية المفارقة بشكل متواتر، بإسقاط سياسي تارة، ومرة من دونه، كما تتمحور أعماله على اللعب في مصائر شخوصه التي عادة ما تكون مكتنزة بالحكايات، لكنها تكرس باستمرار صورة سوداوية ونهايات فاجعة لكل أبطالها. وترتهن رواياته بشكل أساسي على استراتيجيتي الشهادة والسرد، وكأن أعماله ثرثرة عن البطل يسوقها الراوي العليم. ولكن بعيدا عن الشخصيات، فإن أبرز ما يلحظه قارئ هذه الأعمال الحمولة الثقافية الهائلة لهذه الأنماط البشرية التي تسربلت جميعها بالقلق، وبالانتكاسات الكثيرة، وبالفشل الذريع في كل شيء. إن روايات خال ببساطة تستحق القراءة
العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ