«إن أصوات القذائف المتساقطة على بغداد أعذب من أجمل موسيقى سمعتها أذناي، بل هي كقرع أجراس الحرية تؤذن لفجر جديد للعراق...».
احفظوا هذا الكلام جيدا، ولا تنسوه وانتم تتفحصون وجوه العراق الجديد الذي يصمم الغزاة على بنائه على أنقاض حكم الرئيس صدام حسين.
انه كلام لوجه من وجوه «المعارضة العراقية» كتبه في صحيفة «New Republic» تاريخ 26مارس/آذار 2003م وهو يستعد لدخول العراق على ظهر دبابة أميركية محتلة.
ثمة حدود لكل شيء، إلا السقوط! وإلا كيف يتلذذ مواطن بقصف بلده وشعبه وخصوصا على يد أجنبي غاز كشف هو بنفسه أهداف حملته الحقيقية؟؟!!
لكن هذا مافعله ذلك «المعارض» ودوَّن موقفه هذا في صحيفة أميركية شهادة للتاريخ بأنه ليس عراقيا بل أميركيا في الانتماء والمشاعر والهوية ونوع الموسيقى التي تعشقها أذناه!
وإذا ما أضفنا إلى ذلك التصريح، الذي أدلى به رئيس ما يسمى بـ «المؤتمر الوطني العراقي المعارض»، «بأن مستقبل اليهود سيكون درة التاج العراقي» عرفنا تماما اتجاهات النظام العراقي المقبل الذي تعد له أميركا وحليفتها بريطانيا اللتان تجوب طائراتهما ودباباتهما سماء وأرض العراق زارعة فيه الرعب والدمار. ولكن من سمح لأمثال هؤلاء المنسيين المرميين على طرقات واشنطن ولندن وغيرهما من عواصم النفط والمصالح «الملطخة» بتجارة الشعوب أن يتحولوا فجأة من مواطنين فخريين لدى الشركات المتعددة الجنسية والمصارف ودوائر بيع الأوطان «الأكاديمية» وغيرها، أن يظهروا فجأة على «شاشة» المسرح السياسي العراقي وينالوا شرف «المواطنة» العراقية من جديد؟! ومن وضع رجال الدين في العراق وتاريخ الكفاح الوطني العراقي في خدمة هؤلاء؟!
ومن فضّل الطريق السهلة - لشخصه - للوصول إلى الزعامة وكرسي السلطة ولو على انغام أصوات القذائف المتساقطة على بغداد والبصرة والناصرية وكربلاء والنجف؟!
هؤلاء حسابهم عسير في الدنيا قبل الآخرة ولن ينالوا «شرف» الزعامة مطلقا، وذلك لأن أول من سيطردهم ويهمشهم ويخرجهم من حسابات الربح والخسارة هم أرباب حكومة الاحتلال المقبلة التي يعدونها للعراق.
لا أحد في العراق ولا في غير العراق من هو سوي الخلق والأخلاق - كما أظن - يستطيع أن يمنح شهادة حسن سلوك للرئيس صدام حسين أو الزمرة التي أحاطت به منذ 34 سنة وحتى الآن.
ولكن ثمة من يقول إن البدائل التي ظهرت حتى الآن لهذا الرئيس وجماعته لم تقدم صورة «أجمل» أو «ألطف» منه لا عن نفسها ولا عن عراق المستقبل.
بل أن ثمة من قالها أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة إن البدائل «صداميون» مثله، في إشارة إلى أخلاقيات وسلوكيات غالبية الوجوه البارزة التي تسابقت حتى الآن في إظهار رغبتها الجامحة في خلافة حكم الرئيس القائد!
مرة أخرى، التاريخ يكرر نفسه، ولكن هذه المرة بشكل كوميدي عجيب، النار والدماء والجوع والمرض والقهر والعذاب للكادحين والمعذبين والمستضعفين وهم الأكثرية، والموسيقى للأقلية المستبدة من وجوه المعارضة التي لا تعرف طريقا للوصول إلى مآربها إلا على حساب الآخرين وعذاباتهم.
ثمة من يقول انه إذا كان الرئيس العراقي صدام حسين قد حكم العراق لمدة 34 عاما وهو في مساومات دائمة مع الأميركيين والانجليز على سعر النفط الذي يناسبه ويناسب عشيرته وحوارييه في الحكم والبقاء فيه أطول مدة ممكنة، فإن الجماعة المقبلة على حكم العراق ليس لديها الوقت لمثل هذه «الأعمال الشاقة»، فهي ستكون مشغولة بسماع الموسيقى، لاسيما موسيقى الجاز الأميركية التي ستستمر طويلا في محيط العراق العربي والإسلامي وهي تضرب بأوتارها العنقودية وغير العنقودية على فلسطين المحتلة وسورية ولبنان وإيران وسائر بلاد المسلمين، فيما مفاتيح النفط العراقي سيتم تسليمها وبشكل نهائي إلى الجنرال الأميركي الذي سيكون الحاكم الفعلي للعراق سواء ظهر ببزته العسكرية على شاشات التلفزيون العراقي أم لم يظهر. وثمة من يقول أخيرا، من أبناء العراق الشرفاء وما أكثرهم في عراق الرافدين الحبيب: إذا كان من الصعب جدا تصور أن هناك من هو قادر على مجاراة الرئيس العراقي صدام حسين في ظلمه واستبداده وقمعه أو منافسته في هذا المجال بعد أن تجاوز كل الحدود المعقولة ولكن ما هو مقبل على العراق - وليس بالضرورة من باب القمع والاستبداد الفردي أو السياسي والديني... الخ - من باب ضياع مقدرات الوطن ونهب ثرواته وانسلاخه تماما من جسم الوطن العربي والإسلامي الكبير، ربما جعل البعض من أبناء العراق المعارضين لحكم العراق الفعلي يستذكرون بيت الشعر العربي الشهير الذي يقول:
دعوت على عمرو فلما فقدته
بُليتُ بأقوام بكيت على عمرو
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ