العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ

ماذا تريد؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

وليد نويهض

ماذا تريد واشنطن سياسيا من وراء تدمير العراق وتقويض اقتصاده ودولته؟ الولايات المتحدة تعلن أهدافا «نب 

قبل 11 سبتمبر/ أيلول كانت الإدارة الأميركية تبحث دائما عن الذرائع التي تعطيها التبرير القانوني وبالتالي تحويل الحروب إلى سياسة تتمتع بالشرعية. فالبحث عن الشرعية كان مهمة سياسية لكل الإدارات حتى تعطي حروبها صفة العدالة (الحرب العادلة).

وأحيانا كانت واشنطن تخترع الذريعة حتى تغطي أمام شعبها الدوافع الحقيقية لإرسال جنودها نحو الموت والقتل.

بعد سبتمبر اخترعت إدارة جورج بوش ذريعة دائمة وهي «الضربة الاستباقية» وتعني الكثير من الأمور أبرزها حق الولايات المتحدة في إعلان الحرب على أية دولة (منظمة أو حركة سياسية أو مجموعة ناشطة) من دون العودة إلى الدستور أو الأمم المتحدة. وتعني «الضربة الاستباقية» في وجه من وجوهها الهجوم «الوقائي» على قوة نامية يبرر الحرب باحتمالات وتوقعات تستند إلى مجموعة افتراضات ومعلومات مشوشة وغير مؤكدة... ولكنها تطرح فرضية تحول هذه القوة إلى خطر مستقبلي في حال أهملت أو تركت من دون تطويق واجتثاث.

هذه الاستراتيجية التي أعلنت رسميا في الذكرى الأولى لضربة 11 سبتمبر هي أميركية في جوهرها وهي اختراع ابتكرته أجهزة البنتاغون لرسم سياسة هجومية دولية لا تقيم أي اعتبار لأية قوة في العالم. وبطبيعة الحال فإن هذا النوع من الوعي الاستراتيجي لموقع أميركا ودورها وقوتها لن يقيم أي اعتبار للقانون الدولي والذرائع الشرعية. لأن هذا النوع من التفكير المجنون والشرير يفترض سلسلة حروب دائمة لا يمكن أن تقبلها الأمم المتحدة ولا يستطيع مجلس الأمن ان يغطيها بقراراته لأن قراراته في النهاية هي محصلة مجموع آراء وليست نتاج عقل خبيث ومريض يسيطر على مبنى البنتاغون.

حتى دولة مثل بريطانيا، مضطرة إلى مسايرة الغرائز الأميركية المفتونة بالقوة والعظمة، لا تستطيع ان تستمر طويلا في ركب الولايات المتحدة من دون توقف لإعادة طرح السؤال وقراءة الموقف من جديد.

وبسبب هذا الاختلاف في الرؤية القانونية (الشرعية، الذريعة، العدالة) تمايزت السياسة البريطانية عن الاستراتيجية الهجومية التي هي محض أميركية ولم تعترف بها أو توافق عليها أي جهة في العالم. فبريطانيا في هذا المعنى هي مثل غيرها قد تنطبق عليها المواصفات، التي أتت الاستراتيجية الأمنية الأميركية على ذكرها في نظرية «الحرب الاستباقية» في حال افترضت «حفنة الاشرار» ان سلوك لندن غير مرغوب فيه أو لا يناسب الطموحات الأميركية في أوروبا. فالمبدأ الأمني الذي اعتمده بوش ردا على هجمات سبتمبر ينطلق من قواعد خطيرة قد تنقلب في أية لحظة على الاصدقاء في حال رأت الإدارة ان تلك المواقف الصادرة عن هذا الفريق أو ذاك غير مناسبة أو تشكل نقطة افتراق لابد من ردمها عن طريق القوة.

الخلاف البريطاني - الأميركي حقيقي وليس مفتعلا وهو جدي في جوهره، كما هو التحالف الثنائي بين الطرفين. الا ان الاختلاف لا يعني انفراط التحالف. كما ان التحالف لا يعني انعدام الخلاف على بعض القضايا تشكل بالنسبة إلى التقاليد البريطانية نقاط (مرتكزات) ضرورية لأي عمل حقيقي في ميدان الحرب أو قاعات المحاكم.

وحين إصرت لندن على العودة إلى الأمم المتحدة وتمسكت بضرورة اصدار قرار عن مجلس الأمن مهما كلف من أثمان سياسية وتنازلات للدول الأوروبية وروسيا والصين وحتى قضية «الشرق الأوسط» كانت تعرف ماذا تقول وماذا تريد من ما يسمى بـ «المجتمع الدولي».

وحين تصر بريطانيا الآن وتتمسك بضرورة اعادة «الملف العراقي» إلى مجلس الأمن واصدار قرار يضمن توازن المصالح الدولية ويعطي شرعية للعمل العدواني الذي ارتكبته مع الولايات المتحدة ندرك تماما أهمية هذه العودة وضرورة صدور مثل هذا القرار الدولي.

الا ان حسابات بريطانيا لم تلق الآذان الصاغية أو العقول التي تفهم معنى الكلام القانوني في حال صغت آذانها. وبسبب قلة التفاهم أو قلة فهم وتفهم واشنطن لطلبات لندن ظهرت الآن على الارض مجموعة تشققات ميدانية سواء في المعركة ضد العراق أو في تلك المعارك الجارية خلف الكواليس في المسرحين الأوروبي والدولي.

نحن الآن نسمع اكثر من لغة اختلطت فيها أوراق بريطانيا بأوراق أميركا وباتت الأطراف تتجاذب القوى الميدانية إلى طاولة المفاوضات للتقاسم أو للتفاوض على مصير بلد اختاره «أشرار البنتاغون» ميدان تجربة للقتل وبداية تطبيق تلك الاستراتيجية المجنونة والخبيثة.

الكلام الأميركي الآن عن الأهداف «النبيلة» وشرعية قتل المدنيين بذريعة تحرير «شعب العراق» من الديكتاتورية بات لغة سمجة لا يفهمها اي عاقل حتى حلفاء أميركا في ميدان القتال. فالكلام عن «التحرير» و«التمدين» لم يعد أي طرف يقبضه حتى في بعض أوساط النخبة الأميركية. فالعالم يعرف ماذا تريد أميركا؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً