العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ

دعوة إلى عولمة إسلامية منفتحة على كل تيارات الحداثة

بني جمرة - عباس الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

ما يميز السيد محمد الحسيني الشيرازي أنه متجاوز لـلمدارس التقليدية، فهو لا يتعـقد من المصطلحات الحديثة التي يستهجنها البعض ويكفِّر متبنوها، من مثل (الحداثة) والعولمة وغيرهما.

ويتساءل الفرد منا ما الجديد الذي يحمله كتاب الشيرازي «فقد العولمة، دراسة إسلامية معاصرة»؟ فالحديث عن ماهية العولمة وملامحها وآثارها ومضارها بات حديثا مكرورا ومجترا لكثرة ما استنفذ من قبل المعالجات والقراءات لها، وقل من يأتي بشيء جديد يفتح الذهن على أسئلة طازجة في هذا الشأن، لذلك توالت الأسئلة قبل الشروع في قراءة الكتاب: فهل هو كتاب فقهي لا يخرج عن الأحكام الشرعية بشأن العولمة؟ أم هو طرح يحمل تصورا طريا للعولمة؟ وبعد الشروع فيه بدا أن ثمة طرحا يسـتحث الالتفاتة، فهو يشخص وضعية العولمة الحالية بإعطائها قاعدة (السـريع يأكل البطيء) على غرار قاعدة (القوي يأكل الضعيف) واصفا بذلك عولمة الرأسمالية والأمركة المعاشة في العالم الليبرالي، ويؤسس من ثم - خلافا للكثيرين- أن للعولمة انجذابا فطريا في الإنسان نحوها، وذلك مؤصل في الآية الكريمة: «يا أيُّها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجـعلناكم شعوبا وقبائلَ لتعارفوا» (الحجرات:13)، فالآية تتجاوز الحدود والقيود لتنطلق في تكسير كل الحواجز المصطنعة بغية التعارف والتثاقف والتجارة، طارحا أن الإسلام هو أول من نادى بالعولمة (الصحيحة)، ذلك بتـعميم مفاهيمه وأسسه كـالتوحيد وغيره من العقائد والنظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها من الأنظمة بهدف إرساء قواعد متينة للسعادة.

ولم يكتف الشيرازي بتأكيد العولمة الإسلامية باعتبارها فكرة مجردة، بل راح يذكر أنها ممكنة التحقق، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها: أن المسلمين يملكون اقتصادا قويا وموقعا جغرافيا مهما فضلا عن أن دينهم مرن ومنفـتح، وبتلك العوامل يسهل تذليل العقبات الأخرى المفروضة من العولمة المأمركة المعاشة حاليا، ويوضح مسائل العولمة المجتمعية مبينا فيه عوامل رقيها بالمجتمع الصالح وقضاء الحوائج وآداب المعاشرة وحقوق الآخرين وحقوق المرأة و الأسرة، كما يوضح مسائل العولمة الفكرية من طلب العلم وحرية الثقافة وآداب التربية والتعليم وما إلى ذلك، ويشير إلى العولمة السياسية التي تستحث النهضة، بادئا بالشورى والتعددية السياسية والحريات، مركزا على اللاءات المهمة في السياسة الإسلامية التي يجب عولمتها: لا للعنف، لا للإرهاب، لا للتجسس، لا للتعذيب، كما يلمح إلى العولمة الاقتصادية بما لا يتنافى مع الشريعة وذلك بتحريم أهم الأسس التي تقوم وتبـتني عليها عولمة اليوم، من احتكار ورِبا، داعيا إلى تأصيل عولمة اقتصادية عبَّر عنها بـ (النظيفة).

إذن نحن أمام «شبح حضاري» يستنزف كل شيء بوسائله الماكرة المراوغة في اختراقها للذات الدولية والذات الجماعية والذات الفردية، والكتاب على رغم أنه فقهي ومعدود من الموسوعة الفقهية للشيرازي فإنه يمكن عده من الكتب الثقافية بجدارة، فهو يستحث التساؤل المستفز للواقع.

وما يدعم نقودات الكاتب أن هذه الأمركة المسماة بالعولمة التي قال عنها أحد الخبراء الأميركان: (إننا أمام معركة سياسية وحضارية فظيعة، العولمة هي الأمركة، والولايات المتحدة قوة مجنونة، نحن قوة ثورية خطرة، وأولئك الذين يخشونا على حق، إن صندوق النقد الدولي قطة أليفة بالمقارنة مع العولمة) وذلك ما أكده بوش الأب في أجواء احتفالية بالنصر في حرب الخليج الثانية: (إن القرن المقبل سيشهد انتشار القيم الأميركية وأنماط العيش والسلوك الأميركي). لذلك يعزو المؤلف أن ثمة خمس ثورات تلخص الخط العولمي المعاش: الأولى: الثورة الفكرية الثقافية المروجة لفكرة المادية البحتة الخالية من الأخلاق والمعنويات، والداعية إلى ثقافة الاستيراد والاستهلاك والمشجعة على فكرة: أن ينتج الآخرون، ونحن نستريح ونستفيد. والثورة الثانية، كما يشير إليها الشيرازي، هي الثورة الديمقراطية السياسية الداعية إلى الانفتاح على ثقافة العولمة بما فيها من سلبيات. والثالثة تكمن في التقنية السريعة في تغيير أسلوب الإنتاج ونوعية المنتجات، من دون ملاحظة الأخلاقيات فيها. والرابعة، كما يوضحها المؤلف، هي ثورة التكتلات الاقتصادية للاستفادة من التطورات التقنية الهائلة وخصوصا العملاقة منها، للتحصيل على الربح الأكثر. أما الخامسة والأخيرة فتتلخص في ثروة اقتصاد السوق، وحرية التبادل التجاري، ورفع الحواجز الحدودية، ورفع الرسوم الجمركية وما شابه ذلك. وهذه الأخيرة هي الأهم بين أخواتها إذ ان الشركات متعددة الجنسية تعد اليوم من أهم الأدوات التي تستخدمها الرأسمالية الغربية وخصوصا الأميركية لدفع الاقتصاد العالمي باتجاه العولمة.

السيد محمد الحسيني الشيرازي، فقه العولمة، دراسة إسلامية معاصرة، مؤسسة الفكر الإسلامي، 2002





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً