العدد 212 - السبت 05 أبريل 2003م الموافق 02 صفر 1424هـ

أوراق اللعبة... اختلطت

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل أن تحقق الولايات المتحدة (المدعومة بريطانيا) أهدافها المعلنة، وهي: احتلال بغداد وإسقاط النظام (قتل صدام حسين واسرته والمجموعة المخلصة له) اختلطت أوراق اللعبة وبدأت الأطراف تتجاذب حصصها. الكونغرس الأميركي وضع موازنة لا تقل عن 80 مليار دولار لإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الأميركية. واشترط الكونغرس للموافقة على موازنة الإعمار ان تستثنى الشركات التابعة للدول التي كانت الأكثر معارضة للحرب العدوانية وهي بحسب قولهم: روسيا، فرنسا، ألمانيا، وسورية.

الدول المعارضة للحرب التقت الجمعة الماضي في باريس ودرست مختلف التطورات وقررت أن العراق ليس «جبنة» لتقوم الدول باقتطاعه الى أجزاء تتوزعها شركات النفط والمقاولات. جاء كلام الدول المعارضة بعد خيبة أمل من الموقف الأميركي. فالدول الأوروبية (وتحديدا فرنسا وألمانيا) تريد إعادة «الملف العراقي» إلى الأمم المتحدة شرطا لموافقتها على نتائج العدوان. لندن تؤيد أوروبا في موقفها وتعد الدول المعارضة للحرب بأن قواتها لن تبقى في العراق بعد انتهاء العمليات العسكرية وحين يستقر الوضع وتنتفي الحاجة الى وجودها العسكري.

واشنطن منقسمة الى تيارين وربما أكثر. الأول يقوده وزير الخارجية كولن باول ويميل إلى ترجيح الموقف البريطاني من دون ان يذهب بعيدا نحو التفاهم مع أوروبا (وتحديدا فرنسا وألمانيا) على قراءة موحدة لمستقبل العراق. التيار الثاني يقوده وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ويضغط باتجاه إبقاء «الملف العراقي» خارج دائرة الأمم المتحدة. وبرأي تيار رامسفيلد ان إعادة الملف الى مجلس الأمن تعني إعطاء دور للدول الأخرى وربما تفسر بانها بداية اعتراف بصحة وجهة نظرها.

بريطانيا تقف مع باول في معركته الأميركية ومع فرنسا وألمانيا وروسيا في معركة أوروبا ودورها في الأمم المتحدة. باول يقف مع بريطانيا في مسألة إعادة «الملف» الى مجلس الأمن ولكنه ليس معها في موضوع الاتحاد الأوروبي وإعطاء فرصة لفرنسا وألمانيا في التدخل في الملف العراقي. الاتحاد الأوروبي قدم تنازلات لبريطانيا وأعطى شرعية لموقفها من خلال تأكيده ضرورة هزيمة العراق وانتصار التحالف الثنائي شرط ان تبادر لندن إلى إعادة طرح الملف مجددا على مجلس الأمن واتخاذ قرار جديد في شأن العراق ومستقبله.

رامسفيلد ضد باول في توزيع الحصص وإعادة الملف إلى الأمم المتحدة، ورامسفيلد ضد بريطانيا في موضوع إعطاء دور لهيئة الأمم ومجلسها الدولي في صوغ مستقبل العراق ومعها في كسب حصة مميزة في مرحلة إعادة الإعمار.

رامسفيلد مع «الأمركة» وضد «الأوربة» وضد «التدويل» ويصر على احتكار الملف العراقي ومنع أي طرف لم يشارك في الحرب العدوانية من الاستفادة من ثروات العراق ونفطه وموقعه.

إنها معركة «حامية الوطيس» بدأت فصولها بالانكشاف على المسرح الدولي. صقور البنتاغون (أشرار الحزب الجمهوري) ينظرون الى العراق غنيمة حرب بعيدا عن كل ادعاءات «التحرير» و«حقوق الانسان» و«الديمقراطية» وغيرها من شعارات دعائية أطلقت لتغطية الأهداف الحقيقية من إعلان الحرب على العراق.

التيار الآخر (كولن باول وطاقم الخارجية) موافق مبدئيا على جوهر مواقف الصقور (الأشرار) لكنه يريد تغطية من مجلس الأمن وعدت بريطانيا بتأمينها من خلال اتصالاتها السرية والعلنية مع روسيا وفرنسا وألمانيا. بريطانيا تريد تشريع عدوانها داخليا من خلال تسويق نتائجه في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لذلك دعمت باول في مواقفه حتى يضغط على إدارة البيت الأبيض (الرئيس جورج بوش) لكسب وده وجره إلى خط يكتفي بالحدود التي أنجزها التحالف في العراق.

بريطانيا متخوفة جدا من تصريحات رامسفيلد وتهديداته لإيران وسورية وأحيانا تركيا وبعض الدول الخليجية. فالأشرار في البنتاغون يضغطون على الإدارة الأميركية لتوسيع دائرة العدوان ومد تداعياته إلى دول الجوار (سورية وإيران) انطلاقا من النتائج «الباهرة» التي حققتها قوات التحالف في العراق.

وبريطانيا متخوفة من إصرار «أشرار» البنتاغون على تعيين حكومة أميركية تقود العراق في الفترة الانتقالية (18 شهرا على أقل تقدير) وتقسم بلاد الرافدين الى مجموعة دوائر يشرف على ترتيب أمورها حفنة من الضباط والخبراء اختارتهم وزارة الدفاع من طاقمها.

بريطانيا متخوفة من رامسفيلد واحتمال دفع الأمور إلى المزيد من التوتر في المنطقة. ورامسفيلد يتصرف بعقلية المستعمر الذي انتصر في معركة خطط لها هو وأعوانه قبل أكثر من سنتين ونجحوا فيها بأقل الخسائر وبأرباح لا يمكن تخيلها سياسيا وماليا واقتصاديا.

انها معركة «حامية الوطيس» اختلطت فيها أوراق الدول المنتصرة في الحرب على العراق بمصالح الدول المعترضة على الحرب. هذا يشد باتجاه «الأمركة» وذاك باتجاه «الأوربة» وآخر باتجاه «التدويل»... والعراق المسكين هو الضحية.

ما حصل في بلاد الرافدين يشبه الانقلابات العسكرية مع فارق كبير وهو ان الانقلاب جاء هذه المرة من الخارج مستفيدا من «حصان طروادة» الممثل في أجنحة محددة من المعارضة العراقية.

اختلطت الأوراق إذن قبل أن تنتهي معركة بغداد ويحقق التحالف أهدافه المعلنة. والأهداف المعلنة لم تعد مهمة لأن البنتاغون بدأ الآن يخطط للموجة الثانية من العدوان... وليس مهما الآن بالنسبة إليه مصير صدام حسين وعائلته. الغنيمة سقطت وكل ما تبقى مجرد تفاصيل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 212 - السبت 05 أبريل 2003م الموافق 02 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً