العدد 212 - السبت 05 أبريل 2003م الموافق 02 صفر 1424هـ

الإصلاح الاقتصادي يدعم الإصلاح السياسي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

منذ مطلع العام 2001 والبحرين تشهد برامج كثيرة استهدفت إصلاحات سياسية بدأت بغلق الملف الأمني وإفراغ المعتقلات من السياسيين وعودة المنفيين وثم الشروع في انتخابات بلدية ونيابية.

غير أن أي إصلاح سياسي لا يمكن أن يستمر إلا إذا كان هناك إصلاح اقتصادي، ذلك لأن البرامج الاقتصادية عادة ما تكون بعيدة المدى وتحدد مستقبل البلاد، بينما البرامج السياسية قصيرة الأمد (مقارنة مع الاقتصاد). وبالتالي فإن بعض الحلول المناسبة للإصلاح السياسي لا تناسب الاصلاح الاقتصادي والعكس صحيح. وهذه الحال الجدلية تواجه أي مشروع إصلاحي في أي بلد كان، وهناك من البلدان من بدأ بالإصلاح الاقتصادي أولا (شرق آسيا) وألحق ذلك بالإصلاح السياسي لأن الاثنين مترابطان ولا يمكن أن يستغني أحدهما عن الآخر. دول أخرى مثل أوروبا الشرقية وأميركا الجنوبية وقبل ذلك أوروبا الجنوبية بدأت بالإصلاح السياسي وأكملته بالإصلاح الاقتصادي.

الاصلاح الاقتصادي يتطلب إدارة صالحة، كما هو الحال مع الاصلاح السياسي الذي يتطلب مؤسسات وزارية وإدارية صالحة. الاصلاح الاقتصادي يتطلب شفافية ومحاسبة وثوابا وعقابا وتطبيق القانون من دون محسوبية ومنسوبية والتخلص من الفساد والرشوة والتلاعب بالمال العام، وكذلك الاصلاح السياسي يتطلب كل هذه العوامل.

في مطلع القرن الماضي بدأت البحرين اصلاحات إدارية، وتلك الإصلاحات أثرت بصورة مباشرة على اقتصاد البلاد وسياسته. وكانت المشكلة الأساسية هي أن المستشار البريطاني آنذاك تشارلز بليغريف يعتقد أن البحرين لم تكن بحاجة إلى إصلاحات أخرى، بينما البحرينيون كانوا يطالبون بإصلاحات سياسية واقتصادية لكي يكون للإصلاح الإداري قيمة.

فالإدارة الصالحة هي الأداة الأساسية لكل من الإصلاحات السياسية والاقتصادية. ولذلك فإن المثلث الإصلاحي يتكون من إصلاحات سياسية وإصلاحات اقتصادية، وبالنتيجة الحتمية، إصلاحات إدارية.

إن الإصلاحات السياسية لوحدها لا فائدة منها، بل انها تظل معوقة لا تستطيع التقدم إلى الأمام، وربما تصبح عذرا للبعض في عدم القيام بما ينبغي عليهم القيام به. والإصلاحات الاقتصادية متطلباتها تختلف قليلا عن الإصلاحات السياسية. فالاقتصاد يتطلب محترفين ومهنيين (تكنوقراط) ليست لديهم مصالح شخصية من الدفع بهذا الاتجاه أو ذاك، إلا المصلحة العامة.

وهذا الفصل بين ممارسي الإصلاح الاقتصادي والمستفيدين من البرامج الاقتصادية يعتبر أهم خطوة إصلاحية إدارية ينبغي أن نقدم عليها بجرأة إذا كنا نريد للبحرين مستقبلا مشرقا. فالحكومات تغير دورها خلال العقدين الماضيين على مستوى العالم كله، وهذا ما تحث عليه منظمة التجارة الدولية والبنك الدولي ومؤسسة النقد الدولي. فالحكومة انما هي «مسهلة» للاقتصاد وليست «مديرة» له، وإذا لم تتحول الحكومة من الإدارة التنفيذية للاقتصاد إلى تسهيل العمليات الاقتصادية فإنها تصبح عشّا للفساد الإداري وتقوم البيروقراطية بابتلاع كل فرص الخير وقتلها، ذلك لأن طبيعة البيروقراطية حتى لو كانت غير فاسدة، فانها تعرقل المشروعات لأنها لا تخضع لأي اعتبارات تجارية ولا يهمها الربح أو الخسارة بقدر ما يهمها تمرير الأوراق بصورة ما حتى لو كان ذلك التمرير يأخذ شهورا وسنين بينما المعاملة تموت إذا لم تستخلص خلال أيام أو أسابيع.

ولذلك فإن عددا من الدول، بما في ذلك دبي مثلا، استحدثت نظام «المحطة الواحدة» لتخليص المعاملات التجارية. فبدلا من أن يقوم الفرد بالتنقل بين الوزارة والدوائر وتنهك جهوده في هذه العملية توفر الحكومة مكانا واحدا يقوم هو بتخليص كل الأوراق ويعطي النتيجة بصورة سريعة جدا بحيث لا يتمكن شخص - لو أراد أن يفسد الأمر طالبا رشوة أو محاولا تقديم معاملة أخرى - من عمل ذلك لأن الأمور كلها تسير بسرعة مع وعد من أعلى السلطات بأنه إذا لم تمرر العملية ولم يعط سبب وتم تأخير الأمر فإن السلطة العليا تتدخل مباشرة في الأمر.

الحكومة البحرينية تسيطر على القطاع العام وتسيطر على اقتصاد البلد. وبحسب أحد المصادر البحرينية المطلعة فإن الحكومة تمسك بزمام الاقتصاد بنسبة 85 في المئة، ويبقى 15 في المئة فقط بيد القطاع الخاص.

وإذا كانت هذه الـ 85 في المئة ممسوكة من قبل بيروقراطية كبيرة جدا فإن عملية تمرير المعاملات وطرح المشروعات والموافقة عليها، مع اختفاء عامل السوق الذي يحدد الربح والخسارة، تضيع الأمور وتنتهي بالجهود إلى الإنهاك، بينما تدفع أموال طائلة لتسيير بيروقراطية هائلة وضخمة جدا تزيد على حجم بيروقراطيات دول تكبرنا بالحجم بخمس مرات.

علينا أن نبادر بطرح البرامج الإصلاحية الاقتصادية وعلينا أن نفصل الحكومة عن إدارة الاقتصاد، وأن تكون الحكومة، كما كانت تطرح مارغريت تاتشر وغيرها، واضعة للضوابط وليست إدارة تنفيذية للبرامج الاقتصادية.

علينا أن نقلل البيروقراطية ونخفف الإجراءات، فازدياد الدوائر وازدياد الوزارات يدفع بكل دائرة وكل وزارة إلى اصدار قوانين أو قرارات لتبرير وجودها وتتحول الوزارات من خدمة الشعب إلى انهاك الشعب واذلاله.

ان مصلحة البلاد العامة تتطلب مزيدا من الجهود في سبيل تحريك الأوضاع بصورة إيجابية وبصورة مستمرة وعدم السماح لأي طرف كان بإعادتنا إلى الوراء

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 212 - السبت 05 أبريل 2003م الموافق 02 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً