العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ

عودة هُبل

علي محمد جبر المسلم comments [at] alwasatnews.com

في الماضي حينما بلغ الجهل أعماق النفوس البشرية وعميت الأبصار عن رؤية الحقائق الإلهية، انساق الناس إلى عبادة الأصنام التي أوصلت الإنسان الذي تميز بعقله عن الحيوان، إلى تلك الدرجة الدنيا من الجهل والاستعباد، إذ بات في تلك الحقبة يصنع ربا بيده ثم يسجد له طلبا للرحمة والرأفة والرزق. ولو تحرينا الأسباب لوجدنا وراء ذلك جماعات شريرة أمسكت بزمام أمور الكذب والجدل لتتحايل على الناس بهدف السيطرة على إرادتهم وأموالهم. تأمرهم باسم الإله فيأتمرون، وتسلبهم أموالهم بحجة منحهم الحماية التي تقيهم نقمة الآلهة فيدفعون كل ما لديهم خوفا من أو تقربا لبركات الآلهة ورضى القائمين عليها.

فهكذا أسست تلك الفئة الشريرة إمبراطورية الآلهة هُبل التي عبدها البشر واستعبدهم عن طريقها أشرار تلك الحقبة من الزمن. والظاهر أن نخبة الإدارتين الأميركية والبريطانية تريد ـ إن استطاعت ـ العودة بنا إلى تلك الحقبة بعد أن قرأوا التاريخ، وخيلت لهم شياطينهم أنه بإمكانهم تنصيب الولايات المتحدة الأميركية «هبل هذا العصر» يخوفوننا من غضبه وعقابه الشديد إن لم ندفع لهم بكل ما يريدون منا لمنحنا الأمن والسلام.

ففي سنة 1990م حينما اندفعت القوات العراقية إلى اجتياح شامل للأراضي الكويتية سارعت فئة الأشرار وعصابات الفتنة والضلال والصهيونية الحاقدة على الأمة العربية والإسلامية بإغلاق جميع سبل التهدئة وإصلاح ذات البين، ونشطت في زرع الفتنة بين الإخوة في الدين والنسب والجوار. كما عملت قوى الشر والعدوان بسرعة البرق على استصدار قراراتها الظالمة من مجلس الأمن الذي سبق أن طوّعته تلك العصابات الصهيونية المتسلطة على إداراته ليعمل حسب أهوائها وأمزجتها، لإحكام والنيل من إنجازات العراق وقدراته وقواته المسلحة وإضعافه إلى درجة الإذلال بالحصار الجائر وتجويع الشعب وإفقاره عن طريق تجميد جميع الأرصدة والأموال الخاصة والعامة وإيقاف كل المعاملات التجارية والرحلات البحرية والجوية المتجهة إلى بغداد، وفي الوقت نفسه باشرت قوى البغي والعدوان في إرسال، من كل حدب وصوب، قوات قتالية جوية وبرية وبحرية ضاربة لقطع الطريق على أية مصالحة عربية، ومن أجل تكريس الخلاف وتعميقه إلى أقصى حد ممكن، ليضمنوا قطف ثمار ذلك الخلاف القائم، كما أطلقت تلك العصابات ماردها الإعلامي السيئ الذي شوّه الحقائق وأفزع الدول المجاورة لجمهورية العراق من خطر وهول الترسانة العسكرية التي يمتلكها وما يمكن أن تسببه تلك الترسانة إن ترك العراق وشأنه من دون تجريده مما يمتلكه من قوات جبارة وأسلحة فتاكة.

لذلك كله كسب الإعلام الغربي المضلل المعركة مع العراق قبل أن تبدأ، إذ سلمت معظم الدول العربية تحت ضغط الرأي العام الداخلي من جهة وضعف قواتها العسكرية من جهة أخرى، والرغبة العامة للمجتمع الدولي في إخراج القوات العراقية من دولة الكويت، كامل إراداتها السياسية فيما يختص بهذه القضية إلى المفاوض الأميركي الذي أوكل له التعامل مع المشكلة. إلا أن النية السيئة كانت مبيتة من قبل هذا المفاوض للفتك بهذه الأمة. لذلك لم يكن أمينا على ما أوكل به، فاستغل الفرصة لتحقيق مآربه الصهيونية في تدمير العراق بأموال عربية ومن قواعد عربية وبمشاركة قوات عربية!

وبعد تحرير الكويت بعقد من الزمن يعود هذا الدجال المتعطش لثروات هذه المنطقة واستعباد شعوبها مرة أخرى بقصة رغبة المجتمع الدولي في إخلاء العراق من أسلحة الدمار الشامل ليس من خلال المفتشين الدوليين المسنودين من الأمم المتحدة، إنما على طريقة رعاة البقر لأنها أكثر قتلا وتدميرا بشعب وحضارة العراق. فها نحن اليوم نشاهد عبر شاشات التلفاز عمليات القتل والتدمير بالجملة، والدول العربية التي كشرت بالأمس وشاركت بقوات في رفض احتلال دولة لدولة أخرى تقف اليوم خارج عراك التأثير الفعلي في مجرى هذه الجريمة بحق العراق وبحق المجتمع الدولي الذي رفض الحرب خارج الشرعية الدولية. فتركيا الحليف القريب من الولايات المتحدة لم تكتفِ كما نحن بالاستنكار فقط، بل حرّمت على نفسها السجود طاعة لهبل القرن (أميركا) ويغوث ويعوق (بريطانيا وإسبانيا) من استعمال أراضيها لذبح شعب العراق.

أليس الأحرى بنا نحن معشر المسلمين ـ أتباع رسول الله سيدنا محمد بن عبدالله (ص) الذي حطم الأصنام ـ أن نفعل كذلك ونتقي الله في أنفسنا لنمنع عودة هبل الذي يخوفوننا به ليسرقوا أموالنا؟

إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"

العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً