العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ

الأميركيون والكذب الممجوج

روبرت فيسك comments [at] alwasatnews.com

عندما اتحدث عن اميركا فإنني اعني اميركا ومن معها من الغزاة الظالمين، هؤلاء الذين مضى زمن طويل ونحن نعتقد أنهم رواد الحرية والصدق وحقوق الإنسان فإذا بالحوادث الجارية في منطقتنا والتي جرت قبل ذلك في افغانستان تكشف لنا بجلاء انهم لا يعرفون شيئا من تلك الصفات الجميلة واذا بهذه الحوادث تكشف عن معدنهم الخبيث وتؤكد أنهم اكثر كذبا من كل القيادات العربية. ولست ادري هل اكتسبوا هذه الصفة من حكامنا أم ان هؤلاء الحكام اكتسبوها منهم؟ والغريب في الامر ان الاميركان يكذبون باستمرار ويتبجحون بهذا الكذب وكأنهم لايدركون ان العالم عموما والعربي منه خصوصا باتوا يدركون هذه الاكاذيب ويشمئزون منها أشد الاشمئزاز. الاميركان يدعون وبكل وقاحة ان هدفهم من غزو العراق ايصال الحرية لهذا الشعب ولهذا أسموا هذه الحملة «حملة الحرية» ويحار العاقل - بل وغير العاقل - من هذا الادعاء الغريب ويتساءل: من فوّض هؤلاء بتقديم هذه الحرية المزعومة للشعب العراقي؟ وبأي حق يأتي هؤلاء من ديارهم للتكرم على الاخرين بمثل هذه الحرية؟ ثم عن اية حرية يتحدثون؟! عن الحرية التي تأتي على دوي المدافع وازيز الطائرات وقتل الابرياء وهدم الممتلكات؟ هل الحرية تعني هدم المباني على رؤوس اصحابها ومحاصرتهم وقطع الماء والكهرباء عنهم؟ تبا لهذه الحرية التي يدّعونها كذبا وزورا وبهتانا. الا يدرك هؤلاء ان عامة الناس - وليس مثقفيهم - يعرفون ان حملتهم المشؤومة تلك هدفها احتلال منابع النفط وتسخيرها للمصالح الاميركية؟ الا يدرك هؤلاء ان الجميع يعرف ان اصابع صهيونية تبرز بوضوح خلف هذه الحملة؟ هل يتوقع هؤلاء ان الشعوب العربية وصلت بها البلاهة إلى حد التصديق بأن هؤلاء الغزاة جاءوا من ديارهم وبذلوا الاموال والارواح لتخليص العراقيين من الظلم الواقع عليهم؟ بأي عقل يفكرون؟ وكيف يخطر ببالهم ان أحدا قد يصدقهم؟ الم اقل انهم لا يخجلون؟ ويتحدث هؤلاء عن انهم لم يختاروا هذه الحرب وانما فرضت عليهم ولم يشرحوا لنا كيف تفرض عليهم حرب تجعلهم يتحركون الاف الاميال نحو دولة اخرى ويحاصرونها بجيوشهم. من الذي تفرض عليه الحرب في مثل هذه الحال؟ أهم الاميركان أم العراقيون؟ الم اقل لكم انهم لا يستحون؟ ويتبجح الاميركان كذلك بأنهم لا يستهدفون المدنيين في العراق وان صواريخهم دقيقة التصويب وكذلك طائراتهم المقاتلة والعجيب من ادعاءاتهم تلك ونحن وهم نرى كل يوم كيف يقتل المواطنون الابرياء في اسواقهم ومنازلهم، وكيف يحرقون بتلك القنابل ومع هذا كله فهم لا يترددون كل يوم من ترديد تلك الادعاءات والاصرار عليها صفاقة ووقاحة. والاعجب من ذلك كله كيف يتصور هؤلاء ان الشعب العراقي سيستقبلهم بالورود والرياحين وهم يوسعونه قتلا وتدميرا؟ كيف يتصور هؤلاء الغزاة ان يستقبل شعب عربي مسلم غزاته بالورود مهما كان موقفه من قيادته؟ وفي ظل هذا كله اين يأتي دور الحديث عن التحرير واي تحرير يمارسه هؤلاء القوم؟! مسلسل الأكاذيب لا يقف عند هؤلاء فهم يدعون انهم دخلوا هذه المدينة او تلك ثم يتضح الامر فإذا بهذا الكلام كله كذب وهراء ومع هذا كله يستمر هؤلاء في ترديد هذه الاقاويل من دون حياء أو خجل. يدعي هؤلاء ان لواء كاملا استسلم لهم مع قائده فيظهر هذا القائد على شاشات التلفاز ليكذب ادعاءاتهم ومع هذا لا يخجلون من هذه الاكاذيب، يقولون انهم قتلوا نائب الرئيس العراقي في هجماتهم فيظهر هذا النائب اكثر من مرة فلا يرمش لهم جفن ولا يظهر عليهم الخجل من هذه الاكاذيب المستمرة. ويظهر مسلسل البجاحة في اشد حالاته عندما يعلن هؤلاء الغزاة انهم سيعوضون خسائرهم في هذه الحرب من مبيعات النفط العراقي وكأنهم يقدمون لهذا الشعب الذي جاءوا لتحريره: نحن سنقتلكم وندمر منازلكم ونحرق مزارعكم ومع هذا كله فعليكم ايها الشعب المحرر ان تدفعوا لنا مصاريف قتلكم وعليكم ايضا ان تثقوا بتقديراتنا مصاريف هذه الحرب. ولكون هذه حرب تحرير كما يقول الاميركان واعوانهم فإن هؤلاء قد رتبوا امورهم مع شركات بلدانهم لتقوم باستغلال موارد البلاد لصالحها ويبدو انهم ومن شدة وقاحتهم قد رتبوا عقودا مع هذه الشركات قبل ان يضمنوا احتلال العراق وكأن احتلالها وتقسيم ثرواتها اصبح في حكم الواقع. مسلسل الوقاحة الاميركية لا يقف عند حد فهؤلاء بدأوا يتحدثون عن معاهدة جنيف في معاملة الاسرى ويهددون العراقيين بالويل والثبور ان لم يلتزموا بهذه المعاهدة وينسى هؤلاء - او يتناسون - ان حربهم وعدوانهم لا تندرج تحت اية معاهدة دولية وانهم خرجوا على القانون الدولي برمته في هذه الحرب فكيف يلزمون غيرهم بالالتزام بقانون جنيف او غيره؟! ثم هل التزم هؤلاء بهذا القانون عندما اسروا مئات المسلمين واقتادوهم إلى غوانتنامو؟

اين معاهدة جنيف في معاملة الاسرى مما فعلوه؟ بل ان بعض الاخبار تذكر انهم قتلوا الكثير من الاسرى العراقيين ومع هذا لا يخجل هؤلاء من الحديث عن الاتفاقات الدولية... وقريبا من هذا السياق اود ان اسأل بعض الحكام العرب الذين يشاركون في هذه الحرب بصورة او بأخرى: ما هي مشاعركم وانتم ترون جثث العراقيين المتفحمة ومنازلهم المهدمة؟

هل يمكنكم العودة الحقة الصادقة قبل فوات الاوان ام ان التاريخ سيكتب انكم شاركتم في قتل شعب عربي مسلم؟ هؤلاء الاميركان المغرورون سيقتلهم غرورهم... وانا المنتظرون

العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً