العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ

الديمقراطية الكاذبة والدجاجة التي تبيض ذهبا

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

الديمقراطية طالما سمعها المواطن العربي بيد أنه لم يرها في حياته، يقرأها في الصحف يسمعها على لسان بعض قادة العالم وهم يمنون العالم بها ولكنه لم يرها على الأرض. لا يسمعها إلا على لسان المذيعين وهم يدبجون افتتاحيات الصباح، ويطرزون بها تلك التصريحات.

الولايات المتحدة لا يمكن أن تأتي لنا بديمقراطية ونحن نرى تاريخا أميركيا قائما على عملية النهب والسطو ودعم الانقلابات العسكرية ومباركة أكثر من نظام شمولي يحكم بالحديد والنار في هذا العالم سواء في أميركا اللاتينية أو في بعض دول العالم الثالث (الشرق الأوسط).

لا أحد يستطيع أن يتجاوز تلك البراغماتية الأميركية التي دائما ما تغض الطرف عن أية حال انتهاكية لحقوق الإنسان، وخصوصا في عالمنا العربي. سنون مرت والديمقراطية تنظر بعيون دامعة لواقع الإنسان في مجتمعنا العربي ولم تحرك الولايات المتحدة ساكنا، ولم تقل كلمة بل كانت متورطة في دعم النظام العربي بما يحمل من علامات وثغرات دستورية وحقوقية... أين كانت وهي ترى سقوف الحريات تتهاوى؟ بل راحت تبارك ذلك في صحافتها واعلامها فعلى مستوى الدول النامية تراجعت معدلات النمو الاقتصادي، وارتفعت معدلات البطالة، وتفاقمت مشكلة الفقر وتزايدت الجريمة والتطرف وتراجعت الخدمات الاجتماعية كما وكيفا فلم نر من الولايات المتحدة دورا يذكر. هذا إذا لم يكن لها دور مباشر لبعض هذه المشكلات. فمن المسئول عن ذلك الارباك الاقتصادي الذي وقع لدول جنوب شرق آسيا؟ لماذا لم تحرك الولايات المتحدة ساكنا تجاه الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية، وفي فرض الحكومات الدكتاتورية في بعض الدول الفقيرة كالمكسيك والبرازيل والارجنتين؟ هذه الدول التي تحمل في أحشائها الكثير من المعادن بيد أن شعوبها أنهكت بالفقر والقروض الدولية متضاعفة الفوائد في ظل تسلط حكومات قامعة تحولت إلى شركات و(بزنس) ومال.

الرئيس الأميركي الأسبق روذر فوردبي هيز كان يقول: «إن مقولة: هذه حكومة الشعب، ومن الشعب وللشعب، لم تعد قائمة... انها حكومة الشركات، ومن الشركات وللشركات».

الولايات المتحدة تقول إنها تريد دمقرطة العراق، ولكن هل باستطاعتها أن تدلنا على ديمقراطية عربية؟ نحن نؤمن أن النظام العراقي هو من أكبر الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة، وأن الذي جوِّع طيلة هذه السنين هو الشعب؛ فالقيادة مع حاشيتها كانت تعيش أياما ربيعية إذ كشفت الأزمة عن وجود 47 قصرا للرئيس العراقي وتلك النفقات التي تهدر على أعياد ميلاد للسيد الرئيس ولكن على رغم كل ذلك بات الجميع مقتنعا أن القضية ليست النظام وإنما المنطقة بأكملها، وإلا فماذا عملت الولايات المتحدة من خدمات لأفغانستان غير وضع طاقم تابع لها؟ ماذا فعلت للواقع التعليمي المتخلف؟ إذ بلغت الأمية في أفغانستان 71 في المئة وأصبح معدل عمر الإنسان - حيث التردي الصحي - فيه هو 44 سنة.

انهم يريدون السيطرة على النفط ليس إلا. وإعادة الاعتبار «لإسرائيل» التي تلقت ضربات موجعة من قبل المقاومة الفلسطينية ومحاولة ارباك الأنظمة التي خرجت من بيت الطاعة الأميركي كسورية وإيران...

إذن النفط هو الأساس... «النفط مشروب الأباطرة الكبار وليس مشروب الشعوب».

أكد مخطط الحرب الباردة جورج كينان سنة 1948 وهو يصرح بعدم ملاءمة الديمقراطية لكل البلدان بما فيها دولنا العربية: «إننا نملك 50 في المئة من ثروة العالم ولكننا نكون 6,3 في المئة من سكانه. ففي هذه الحال تكون وظيفتنا الحقيقية في الفترة المقبلة تدبير نموذج من العلاقات التي تتيح لنا الفرصة لصيانة هذا الوضع المتباين. ولتنفيذ ذلك علينا أن نستغني عن كل النزعات العاطفية... علينا أن نتوقف عن التفكير عن حقوق الإنسان، وعن مستوى المعيشة، وعن انعاش الديمقراطية».

وتبقى هي ذاتها مشكلة الكثير من الأمم انها لا تباع إلا أحلام الديمقراطية وتبقى تفتك بجسدها أمراض الفقر والتخلف؛ ففي ألبانيا مثلا أصبحت المافيا تسيطر على كثير من مفاصل البلاد وأخذ الناس يعيشون على التهريب والدعارة... ولم نر الولايات المتحدة فعلت شيئا بل باركت حتى عملية الانقلابات التي حصلت ضد إرادة المجتمعات والشعوب كما حدث في الجزائر بعد فوز جبهة الانقاذ. والمواطن الجزائري يدفع فاتورة التخاذل الغربي والمباركة الأميركية والدعم الفرنسي لجنرالات الحرب إلى الآن.

ان الولايات المتحدة ليست على استعداد إلا إلى دعم ما يعزز مصالحها أو ثقافتها فهي تبارك استنساخ أمراضها الثقافية وترفض أن نستنسخ مبادئ الديمقراطية المتناسبة مع الواقع العربي... بل تبارك كل تمرد أو اقتطاع أرض إذا كان يصب في صالح مصالحها... فهي تدعم حركة الانفصال في جنوب السودان، وتبارك انفصال تيمور الشرقية وتحويلها إلى مسيحية على رغم ان المسيحيين أقلية، وتدعم النزعات الطائفية للأقباط في مصر للضغط عليها للابتزاز السياسي. وتغض الطرف عن المذابح التي ترتكبها «إسرائيل» في حق الفلسطينيين لكنها لا تعير أي اهتمام لاستضعاف مسلمي الفلبين والشيشان والبوسنة التي ذبحت وقتل شعبها، ولما كاد أن ينتهي تدخلت أيضا في اللحظات الأخيرة لفرض واقع أميركي، وهي اليوم تعيد السيناريو في تقسيم العراق وفرض حاكم عسكري يرضى بالإملاءات الأميركية.

بالطبع الولايات المتحدة ستعمل على إعادة صوغ الوضع الاجتماعي في منطقة الخليج وخصوصا وضع المرأة باتجاه أمركتها وسيكون هناك آثار أخرى وتداعيات ثقافية واجتماعية وستزداد ذات الأمراض الخلقية التي أصبحت محل ابتلاء وانتشار في الولايات المتحدة، من أمراض صحية ونفسية وخواء روحي واجتماعي تماما كما يعاني المجتمع الأميركي إذ تعشعش فيه هذه الأمراض الاجتماعية والخلقية إذ تسود فيها ظاهرة الشذوذ والسوق السوداء للمخدرات والجريمة المنظمة وفشلت أنظمتهم في مكافحة المخدرات .

هذه بعض مساوئ القبول بكوكبة المجتمع وفرض واقع القرية الكونية. فتحت هذه الحجج لا تروج إلا أمراض الولايات المتحدة أما الديمقراطية فهي مغيبة. إن ما يراد لنا في هذه البقعة العربية والخليجية بالذات هو افقارنا، وجعلنا نفكر فقط في القرص والشعير وحزمة البرسيم لنكون مثالا حيا لأمة دجاجتها لا تبيض ذهبا إلا إلى غيرها، مثقلين بالتوجسات الأمنية، مقيدين بحزمة مواثيق أمنية، محشورين في مخدع الفقر والفاقة، على رغم أننا نعيش على بحيرات من النفط وتثقلنا القروض والديون تماما كدول أميركا اللاتينية فالمكسيك مثلا تعاني من ديون كبرى إذ بلغ حجم ديونها 65 مليارا، حتى قال الرئيس المكسيكي بورفيريو قبل سنين متذمرا من تلك السياسات التي أوقعت بلاده في مأزق الديون والقروض والاتباع الأميركي «مسكينة هي المكسيك لبعدها عن الله وقربها من الولايات المتحدة الأميركية» فلا نعلم هل ستعاد العبارة ذاتها عندما يتحول الخليج إلى مكسيك فقير؟ ليس غريبا عندما يتخذ المفكر الأميركي نعوم تشومسكي في كتابه (إعاقة الديمقراطية) موقفا حازما من خطورة اتباع دولنا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا الولايات المتحدة. وكذلك هو عينه موقف النائب السابق ممثل ولاية إلينوي في الكونغرس الأميركي لمدة 22 سنة «بول فندلي» في كتابه (من يجرؤ على الكلام) عندما حذر من خطر الولايات المتحدة على عالمنا فراح يبحث ذلك الموقف الأميركي الرسمي «غير المتوازن تجاه قضايا الشرق الأوسط»... تلك هي حقيقة الديمقراطية الكاذبة التي تروج لها الولايات المتحدة. فالعالم العربي يطمح في ديمقراطية صادقة وليست كاذبة. المطلوب من المجلس النيابي

كثير من الناس يشتكون صمت البعض في مجلس النواب... وآخرون يشتكون مناقشة البعض الآخر قضايا لا تمت إلى هموم وحاجات المجتمع بصلة. إنه من المؤسف أن يتطرق بعض نواب الشعب إلى قضايا هي أقرب إلى الترف الفكري والتسطيح الثقافي، إذ لا يعقل أبدا أن يتناقش المجلس في قضايا بعيدة عن هموم الشارع.

بعض الرسائل التي وصلت إلينا في الصحافة تتساءل: «في ظل مجتمع بدأ يتجه نحو خط الفقر وبدأت تتآكل فيه الطبقة الوسطى، هل من الواقعية أن يناقش النواب قضية الابتداء بالقرآن أو الختام به؟».

تلك سابقة غريبة... القرآن هو كل شيء، لكن يجب أن ينتبه بعض النواب إلى أن القرآن مُثُل ومبادئ يجب أن تتحرك على أرض الواقع والتي منها التكلم عن قضايا المواطنين، وما أكثرها. إن القرآن يتكلم عن الفقراء وعن كرامة الإنسان وعن سوء توزيع الثروة وعن دور الشعوب في صوغ القرار السياسي وعن تبذير الأموال.

يجب أن يرتفع خطابنا من فقه البئر إلى فقه الدولة، حتى نلقى احتراما من الشارع وحتى نكون في مستوى الطموح. أنا لا ألغي هنا الإضاءات التي تركها بعض النواب في تلمُّس هموم المواطنين... لكن هذا لا ينفي أن بعض نوابنا مازال مهووسا بقضايا هامشية.

المرجع الكبير محمد الغزالي كان يحمل خطابا إسلاميا يتكئ على التأصيل من دون أن يفتقد أدوات العصر، لذلك نجح في خطابه وفرض احترامه على الجميع... ومن منطلق ذلك يجب أن نراجع أولوياتنا، فالقرآن حياة وليس شكليات.

وخير مثال هنا التجربة الكويتية التي تضم الكثير من الشخصيات التي استطاعت أن توصل نبض الشارع إلى قبة البرلمان من قبيل الأستاذ البراك والمتنور وليد الطباطبائي. ومازلت أتذكر تلك المرافعات الكبيرة لعبدالله النفيسي والنيباري ومحسن جمال وغيرهم.

ولا ننسى التجربة الأردنية التي كان ليث شبيلات فيها مثالا حيا لتلمُّس نبض الشارع والتركيز على الأولويات.

إن البعض لدينا بحاجة إلى الاستنارة من مرافعات ومواقف بعض هؤلاء النواب في التجارب الأخرى حتى لو اختلفوا معهم في المرجعية الثقافية، فعلى رغم اختلافي مع توجان الفيصل في بعض مقارباتها للفكر الإسلامي، فإنني أحترم بعض مرافعاتها ومواقفها الوطنية. حقيقة عندما تقرأ تلك الأسئلة النقدية التي قدمتها عبر أوراقها إلى السلطة التنفيذية عن ظواهر الفساد واستغلال النفوذ تعجب بتلك الجرأة.

وختاما، إن الناس تنتظر الكثير ومازالت تتساءل عن موقف البرلمان من الفساد في عدد من القطاعات واستغلال القانون في بعض الوزارات والتي منها أيضا ذلك الموقف التسلُّطي لاستغلال قانون الصحافة لإخماد الصوت وتكميم أفواه الكتاب

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً