العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ

رامسفيلد مرة أخرى

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من شاهد المؤتمر الصحافي الأخير لوزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد دهش لطريقة تعاطي الصحافيين والإعلاميين مع هذا الوزير المتأنق. فبعد أن تركوه طويلا يفلسف الحرب ويهندس الغزو ويبرمج الأدمغة وينظّر لعمليات الإبادة والقتل المقبل، نراهم انقلبوا عليه دفعة واحدة، فأخذ «يتخلع» في إجاباته، بعد أن كان يقدمها على انها وحي من السماء!

كل ذلك الزهو، وكل ذلك الغرور وحماقة القوة، اعتصرت خلاصتها في التاريخ لتعطينا مثل هذا الوزير، الذي يخدم في بلاط رئيس لا يقل عنه زهوا ولا غرورا ولا حماقة قوة. كأنهما خلقا من طينة واحدة.

في البداية جاء إلى الميدان، أو بالأحرى أرسل بجنوده كأنه يرسلهم إلى رابية خضراء، وكان يمني نفسه بألا تطول عن أيام يلاقي فيها من التصفيق الكثير، ولكن ما حدث على أرض الواقع، بالذات من المقاومة الشعبية الشرسة، قلبت حساباته حتى قال: «ان معركتنا هي أقرب إلى البداية منها إلى النهاية». بل قلبت حسابات رفاقه فاستقال ريتشارد بيرل، أحد مستشاري بوش في السياسة الخارجية وأحد مخططي الغزو، لتبدأ الهسهسة الواطئة عما يجري.

وكان من ضمن المخطط ألا يرى العالم إلا ما يقر الجيش الأميركي له بمشاهدته، ولكن دخول الفضائيات العربية على الخط وما كشفته من مشاهد قتل ودمار نسف أكذوبة «الحرب النظيفة» التي روج لها طويلا. فكان هذا الدخول هو المنغص الآخر للوليمة المشتهاة. فالإعلام العربي الذي تفوق على نفسه في هذه الحرب كان كالشوكة في خاصرة رامسفيلد. ومن هنا أخذ «يترجى» وسائل الإعلام عدم نشر صور الجنود الأسرى والقتلى الأميركيين.

الليلة قبل الماضية وقف الرجل في مؤتمر صحافي ليدافع عن نفسه أمام موجة من غارات الصحافيين الذين لم يرحموه، فأشبعوه وخزا بأسئلتهم المدببة. إن الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد كما صرح كبار المسئولين من الطرفين. كنت تراه وهو يجيب كأنه محاصر في زاوية، يحاول الخروج من القفص والتملص من المسئولية بإلقائها على طرف آخر. والانطباع الذي غلب على الذهن من هذا المؤتمر هو انه حاول التملص من المسئولية وإلقائها على صديقه العسكري تومي فرانكس! فقال إن خطة الجنرال فرانكس الأولية كانت قديمة ولم تستفد من الحرب في أفغانستان، ثم انقلب ليدافع عن نفسه بالقول: «إن خطتنا الحالية وضعها عدة أشخاص لا أنا وحدي».

في بداية المؤتمر قال «إن هناك إجماعا على ان خطتنا جيدة»، وفي ختامه قال: «إن خطتنا ممتازة». وسواء كانت جيدة او ممتازة، سيبقى المدنيون هم الضحية الأولى لهذه الحرب القذرة

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً