العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ

بغداد - بيروت

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تذهب كثير من المقارنات بعيدا في تخيلاتها وتأخذ في بناء القصور على رمال متحركة. أجمع الفقهاء على ان المقارنة جائزة شرط ان تكون من جنس (صنف) واحد. يجوز مثلا مقارنة المرأة بالمرأة والرجل بالرجل. ولا يجوز مقارنة المرأة بالرجل والرجل بالمرأة إلا في حالات استثنائية. والاستثناء ليس قاعدة. كذلك يجوز مقارنة الدول ببعضها بعضا شرط ان تكون متقاربة (من صنف واحد). مثلا يجوز القول لماذا بريطانيا ليست مثل فرنسا. ولكن لا يجوز القول لماذا اليمن ليس مثل بريطانيا أو لبنان مثل فرنسا. اليمن يقارن بدولة مشابهة وكذلك لبنان.

هناك شروط للمقارنة. منها التقارب والموضوعية والسمات العامة وإلا كانت المقارنة خاطئة لأنها تفتقد الى الاسس التاريخية. فالإغراق في الذاتية يوقع في أخطاء ويؤدي الى نتائج سلبية ويعزز الاوهام.

مناسبة الكلام عن «فقه المقارنة» هو العدوان الاميركي - البريطاني المستمر منذ 15 يوما على العراق. في هذه الفترة قيل الكثير من المقارنات من نوع «المستنقع الفيتنامي» أو «ستالينغراد» وغيرها من التشبيهات التي لا يربطها الرابط الموضوعي ولا يجمعها جامع الصنف (الجنس الواحد). فالمقارنة لا تجوز حتى تكتمل شروطها الصحيحة (الواقع والمنطق).

هناك اختلاف كبير بين فيتنام والعراق، وكذلك بين ستالينغراد وبغداد. فالظروف الموضوعية مختلفة، وكذلك الزمن (التاريخ) والشروط التي توافرت لفيتنام وستالينغراد غير موجودة الآن في مسألة الحرب على العراق ومحاصرة بغداد. فالإغراق في المقارنات الخاطئة يزرع الاوهام. ومن يزرع الاوهام يحصد الاحباط والخيبة.

العدوان على العراق يشبه العدوان الاميركي على افغانستان وإلى حد كبير يشبه العدوان الاسرائيلي على لبنان. وحصار بغداد، الذي يبدو انه اقترب، أشبه بالحصار الاسرائيلي لبيروت ولا يشبه الحصار الالماني في الحرب العالمية الثانية لستالينغراد. التشابه موجود ولكن هناك خصوصيات تجعل حتى امكانات تلك المقارنة متقاربة وليست متطابقة.

ظروف الحرب على العراق قريبة من الحرب على افغانستان مع افضلية جزئية بسيطة لمصلحة بغداد. فمنذ اكثر من عام خاضت الولايات المتحدة حربها على افغانستان في ظل تأييد دولي كاسح لعدوان واشنطن. آنذاك كان وهج ضربة 11 سبتمبر/ ايلول 2001 لايزال يشعل نيران العالم ولاقت دول اوروبا وروسيا والصين وغيرها من دول اقليمية مجاورة (الهند، وباكستان، وايران) صعوبة في الاعتراض والمعارضة. الآن اختلفت المسألة في الحرب العدوانية على العراق. العالم ليس موحدا وراء الولايات المتحدة، كذلك الدول الاقليمية المجاورة ليست متفقة على دعم العدوان (ايران، تركيا، وسورية) وغير موافقة على ذرائعه ونتائجه. كذلك يمكن القول بالنسبة إلى موضوع اجتياح لبنان في العام 1982. فالعالم آنذاك انقسم وكانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة الكبرى في العالم تؤيد الاجتياح إلى حدود بيروت ولكنها كانت تعارض دخول القوات الاسرائيلية (بقيادة ارييل شارون) العاصمة اللبنانية.

وعندما تجاوزت الخط الأحمر ودخلت، بعد خروج المقاومة الفلسطينية، وارتكبت مجازر صبرا وشاتيلا (2000 شهيد من المدنيين) ضغطت واشنطن على تل ابيب وطالبتها بالانسحاب من بيروت.

ظروف بغداد اليوم أسوأ من ظروف بيروت في العام 1982. صحيح ان معظم العالم مع بغداد وضد العدوان على العراق. إلا ان ظروف العالم في العام 2003 تختلف كثيرا عن تلك التي كانت موجودة في العام 1982. ومع وجود الاختلاف تجوز المقارنة بين بيروت وبغداد وليست بين بغداد وستالينغراد. فالحال التي تمر بها، على رغم خصوصيتها، متشابهة من نواح مختلفة من نوع أن بيروت طوقت من الجهات الأربع بينما ستالينغراد طوقت من جهات ثلاث. بيروت افتقدت إلى العمق الجغرافي لإرسال الامدادات والمساعدات بينما ستالينغراد كانت مفتوحة على عمق استراتيجي لا ينضب من البشر والسلاح. بيروت خضعت لحصار امتد إلى اكثر من ثلاثة اشهر تحت شعار سياسي محدد (اخراج منظمة التحرير الفلسطينية من العاصمة اللبنانية)، كذلك تخضع بغداد لشعار مشابه وهو ازالة النظام وقتل الرئيس العراقي وأسرته والمجموعة الصلبة والمتعاونة معه.

وما يصح من مقارنة بين بغداد وبيروت يصح ايضا للمقارنة بين العراق وافغانستان مع اخذ اختلاف الشروط الدولية والاقليمية في الاعتبار. وبسبب اختلاف تلك الظروف ترى ان الولايات المتحدة تلاقي صعوبات في تبرير جرائمها ضد المدنيين وجريمتها الاساس: العدوان على العراق من دون غطاء دولي وعلى رغم إرادة العالم ومواقف دوله الكبرى في مجلس الأمن.

هذه المواقف الدولية والاقليمية الذاتية (الارادية) لم يتم استثمارها سياسيا وتحويلها من قوة معارضة للعدوان إلى قوة متصدية له.

فالدول الكبرى (روسيا، الصين، فرنسا، والمانيا) لاتزال تستنكر ولم تطور معارضتها إلى نوع من التحرك الدولي الذي يحوّل النيات المخلصة إلى قوة ضغط موضوعية تعطل آلة الحرب والعدوان. واذا استمرت الحال على ما هي عليه فإن تطويق بغداد سيتحول إلى نوع من الحصار المشابه لذلك الذي حصل لبيروت في العام 1982.

ان فرصة التحرك لانقاذ ما يمكن انقاذه لاتزال واردة والمجموعة العربية بالتعاون مع مجموعة الدول الاوروبية والاسلامية والآسيوية والافريقية مدعومة بالدول الكبرى قادرة على التحرك على اكثر من جبهة دبلوماسية (الجمعية العامة للأمم المتحدة) وسياسية (اتفاق الدول الاقليمية مع روسيا وأوروبا على مشروع عملي مضاد).

اجاز الفقهاء المقارنة شرط ان تكون موضوعية ومتقاربة ومتشابهة. وعدم وجود تحرك دولي - اقليمي مساند ويساعد العراق لوجستيا فإن حاله ستشبه حال افغانستان. وبغداد ستكون أقرب إلى بيروت منها إلى ستالينغراد. والله اعلم

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً