العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ

التقلبات الدولية والإقليمية ومسيرة الإصلاح البحرينية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

منذ ان خلق الله آدم عليه السلام والانسان يسعى إلى تحقيق أمرين يبدو انهما متعاكسان. يريد الانسان الاستقرار والأمن والاطمئنان، وفي الوقت ذاته فإنه متعطش للابداع والتغيير والتقدم. إذا كان الانسان يريد ان يتقدم الى الامام فلابد ان يتأثر أمنه واستقراره واطمئنانه. فلو ركز الانسان على المحافظة على وضعه الحالي فانه لن يتقدم الى الأمام وسيرى اخاه الانسان قد خطا خطوات الى الامام تحقق له أمن واستقرار على مستوى آخر، غير أن هذا الأمن والاستقرار خاضع إلى ظروف ومعطيات معينة تتغير مع الأزمنة والامكنة. وهذه الازمنة والأمكنة دائمة التعرض للظروف المحيطة بها التي تضغط عليها باتجاه التغيير والتغيير اصبح هو الثابت وهو المحرك. و التغيير هو «الثابت» لأن الانسان لا يستطيع الابقاء على الظرف القديم (بزمانه أو مكانه أو بكليهما)، وبالتالي فإن التغيير مستمر وثابت في استمراره. والتغيير هو المحرك أيضا لأن حضارة الانسان لم تتحقق ولم تتطور (او تتأخر، بحسب نظرة الانسان الفكرية والمادية) إلا بسبب عامل التغيير. وهذا العامل مستمر على رغم انف الظروف، والزمن أكبر المؤثرات في هذا الشأن.

وفي جميع المجتمعات تتوزع القوى الاجتماعية في توجهاتها الى مجموعات محافظة أو إصلاحية أو ثورية. المجموعات المحافظة تقول بأن المجد الذي تحقق في الماضي (او المتحقق الآن) لا يمكن الحفاظ عليه أو استعادته إلا بالمحافظة على العادات والتقاليد والمبادئ والسلوكيات والتصورات الحالية. وهذا قد يتطلب استخدام القوة للمحافظة على المجد.

المجموعات الإصلاحية تقول ان إبقاء الأمور على ما هي عليه سيؤدي بالمجتمع إلى التأخر أو الفشل أو الانهيار إذا لم تؤخذ في الاعتبار التطورات الانسانية في مجالات الفكر والمدنية. وترى هذه المجموعات إمكان العمل على إصلاح ما هو موجود لتحقيق التطور التدريجي من دون الإخلال كثيرا بنزعة الانسان للأمن والاستقرار والطمأنينة.

أما المجموعات الثورية فترى ان الوضع لا يمكن تحمله لأنه لا يحقق للانسان طمأنينة أو سعادة ولابد من قلب الأوضاع لتحقيق الأمن المستقبلي والتقدم الإنساني الأفضل.

هذه النظرة المبسطة للتوجهات ليست واضحة على أرض الواقع بهذا التصنيف. فقد ترى شخصا أو مجموعة حاكمة أو غير حاكمة تحتوي على التوجهات الثلاثة عندما تتنوع القضايا وتتداخل دينيا وفكريا وماديا.

المجموعات ذاتها قد تكون إصلاحية أو ثورية داخل المجتمع بينما تكون محافظة داخل المجموعة. والعكس كذلك صحيح، فقد تكون المجموعة محافظة في المجتمع وتواجه هذه المجموعة حالة ثورية انقلابية داخلية من دون أن يؤثر ذلك على دورها المحافظ في المجتمع. والحديث عن التأثير أمر نسبي أيضا، إذ لا يوجد حادث صغير أو كبير إلا وله أثر معين على مستوى من المستويات. بعض المجموعات الداعية إلى إحداث تغييرات نوعية قد تنسى وضعها الداخلي الذي يبقى على تصورات كانت متقدمة في الماضي ولكن مع تقدم الزمن اصبح المجتمع المستهدف تغييره اكثر تطورا منها.

هذا التداخل اصبح ظاهرة ملازمة لعصرنا المعقد في تطوره ولعالمنا الذي يمر في مرحلة تاريخية سريعة التغيير. السرعة التي يمر فيها عصرنا خاطفة ولهذا يقول البعض انك إذا كنت تسعى إلى مواكبة «سرعة» التغيير فإنك تخوض معركة الامس، وعليك ان تسعى إلى مواكبة «عجلة» التغيير. والفرق بين السرعة والعجلة، هو ان الأخيرة تعبير عن معدل تصاعد السرعة، أي أن السرعة ليست ثابتة، وهذا يعني ان التغيير حقيقة ثابتة وملازمة ولكن سرعة التغيير غير ثابتة وإنما متصاعدة بشكل غير طولي. والتعقيد يحصل لأن «عجلة» التغيير تؤثر على جوانب كثيرة في حياتنا في الوقت ذاته.

أمام هذا التعقيد و«التعجيل في السرعة» يفشل كثير من أساليب التخطيط الاستراتيجي التي تعتمد على معلومات ومعادلات موجودة حاليا قائمة على مخزون من المعلومات المستحصلة من الخبرة المتوافرة لدى الانسان. وهذه المعلومات والمعادلات يتم تمديدها طوليا (ربط زمن اليوم بزمن الغد) إلا أن هذه الأساليب غير صالحة لعصرنا الحالي.

في أيامنا الحالية تتقلب الأمور في المستوى الدولي والإقليمي بطريقة لم يتوقعها أحد من قبل، وان كان قد توقعها فإنه لا يصدق حدوثها بالشكل الذي نشاهده هذه الأيام مع محاصرة بغداد واقتراب تغيير الخريطة السياسية للشرق الأوسط.

وكل تلك التغييرات الهائلة لابد وأنها ستؤثر علينا في بلادنا البحرين، ولكن أملنا ألا يؤثر ذلك على مسيرة الإصلاح التي دشنها جلالة الملك، وساندتها جميع القوى السياسية والاجتماعية في البلاد. وهذا الأمل يتطلب الاشتراك في تحديد رؤيتنا للمستقبل و«السباحة» بين أمواج عاتية ومتلاطمة. وأملنا ان لايفقد الاصلاحيون حماسهم وقوتهم في خضم كل ما يجري هذه الايام فالبحرينيون قدموا الكثير من التضحيات من اجل مستقبل افضل

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً