غدا ينتهي الأسبوع الثاني من الحرب على العراق... ليبدأ الأسبوع الثالث من العدوان الأميركي (المدعوم بريطانيا) على المدن والبلدات والقصبات والقرى في الجنوب والشمال والوسط.
حتى الآن لم تتغير الأهداف المعلنة: احتلال بغداد وإسقاط النظام بقتل الرئيس العراقي وأسرته والمجموعة الصلبة المتعاونة معه.
الأهداف غير المعلنة كثيرة، أعلن بعضها وهناك سلسلة من الغايات سيعلن عنها قريبا بعد تثبيت مواقع الاحتلال في العراق. وزير الخارجية الأميركي كولن باول جدد في حديث أمام منظمة يهودية أميركية التزام واشنطن بـ «أمن إسرائيل» ونزع «أسلحة الدمار الشامل» من العراق والعمل على تسوية في «الشرق الأوسط». وفي مجرى حديثه هدد سورية متهما دمشق بدعم بغداد عسكريا.
قبل باول جدد الرئيس الأميركي في حديث إذاعي «الانجازات» التي حققها العدوان، وأشار إلى احتلال آبار النفط والسيطرة على غرب العراق ومنع إطلاق الصواريخ على «إسرائيل» وضرب مواقع «أنصار الإسلام» في شمال العراق. بعد إشارات القيادة السياسية في واشنطن كررت «القيادة العسكرية» في الدوحة «الإنجازات» نفسها، وقال تومي فرانكس إن قواته أنجزت سبعة أهداف، وأشار إلى أربع نقاط رئيسية، هي: السيطرة على منفذي العراق البحريين (أم قصر والفاو)، والاستيلاء على حقول النفط في الجنوب، والسيطرة على غرب العراق وحماية «إسرائيل» من الصواريخ العراقية، وضرب مواقع «أنصار الإسلام» في شمال العراق وطرد مجموعاتهم المرتبطة بتنظيم «القاعدة» إلى المرتفعات المجاورة إلى حدود إيران.
ما الذي يمكن قراءته من تلك الأحاديث والتصريحات والبلاغات التي دأبت المراجع السياسية والعسكرية الأميركية والبريطانية على تكرارها قبل نهاية الأسبوع الثاني تبريرا للعدوان على العراق؟
هناك كلام كثير، إلا ان الملاحظ تكرار ثلاث مفردات في مجموع تلك البيانات السياسية والعسكرية: النفط، و«إسرائيل»، والإسلام.
النقطة الأولى تشير إلى الغنيمة (لتطمين مافيات السلاح والنفط في واشنطن) وهي السيطرة على حقول نفط يقال إنها تحتوي على احتياطات هائلة، حتى ان هناك تقديرات تقول إن آبار الرملية هي ثاني خزان نفطي في العالم. النقطة الثانية تشير إلى الحليف الاستراتيجي، وهي تأمين أمنه من «خطر عربي» محتمل كان يتمثل في قدرة العراق على إيذاء «إسرائيل» المتفوقة عسكريا على مجموع الدول العربية المحيطة بها.
النقطة الثالثة تشير إلى العدو الاستراتيجي الجديد وهو الإسلام. صحيح أن المسئولين في واشنطن ومبنى البنتاغون لا يشيرون إلى المسألة مباشرة ولكنهم لا يترددون من الإشارة إلى الإسلام مواربة، من خلال التلميحات المتكررة إلى تنظيم «القاعدة» ومواقع «الأنصار».
المسألة الأخيرة مهمة جدا، فهي «مسمار جحا» أو الذريعة التي ستنطلق منها الاستراتيجية الأميركية مستقبلا بعد تمكين مواقعها في العراق واحتلال بغداد. فالإشارات التي جاءت تباعا ضد إيران وسورية من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وكررها بعده وزير الخارجية الأميركي أمام أعضاء منظمة يهودية في واشنطن تدل على أن العدوان الأميركي على العراق لن يتوقف هناك، بل يحتمل ـ في حال تم من دون خسائر كبيرة ـ أن يستمر ويتوسع ليطال الدول المجاورة بدءا من سورية وإيران بذريعة أن تلك الدولتين تمنعان قيام «حل سلمي» في منطقة «الشرق الأوسط».
الإشارة إلى ضرب مواقع «أنصار الإسلام» في شمال العراق، باعتبارها جزءا من «الانجازات» التي حققها العدوان الأميركي، مسألة مضحكة. فالكل يعلن ـ وفي طليعتهم واشنطن ـ أن تلك المنطقة تقع خارج نطاق السيطرة العراقية وان المرتفعات المذكورة حتى تحت سلطة الحكم الكردي المتحالف بشخص جلال طالباني، مع القوات الأميركية. فتلك المناطق خارج السيطرة العراقية وبعيدة عن الحدود السورية وتقع خارج الجغرافيا السياسية لإيران. والكل يعلم أن تلك المجموعات الإسلامية هي مجموعات كردية اختلفت مع طالباني وانشقت عنه وتصارعت معه على سلطة الحكم الذاتي في شمال العراق... وبغداد لا سلطة ولا صلاحية تنفيذية أو إشرافية لها على تلك المرتفعات بناء على قرارات صادرة عن مجلس الأمن.
واشنطن (وحليفتها لندن) تعلم ذلك، ولكنها مصرة على «بيع» الانتصار وتسويقه أمام الجمهور الأميركي ـ البريطاني بصفته أحد «الانجازات» التي حققها العدوان على العراق. وهو في تصنيفهم يعتبر الثالث في درجات «الانتصارات» العسكرية بعد حقول الرميلة النفطية وحماية أمن «إسرائيل» من صواريخ يعلم الكل، وتحديدا فرق المفتشين، انها لا تطاول أراضي فلسطين المحتلة.
إذن بدأ العدوان بأكاذيب (الديمقراطية وتحرير الشعب العراقي من نظام الحكم) ويستمر بأكاذيب جديدة مختلفة (أمن إسرائيل وأنصار الإسلام)... ولاشك انه سينتهي بسلسلة أخرى من الأقاويل التي ستبرر استمرار العدوان على دول الجوار، وخصوصا حين تزداد الممانعة السياسية العربية ويتضاعف الصمود السياسي في العراق والمحيط العربي ـ الإسلامي.
غدا ينتهي الأسبوع الثاني من جرائم الحرب ليبدأ الثالث والرابع. ويرجح أن تنتهي المدة في مطلع مايو/آيار كما حددت القيادات السياسية والعسكرية الأميركية مدة العدوان (ستة أسابيع).
العالم ينتظر نهاية المدة... وبعدها لكل حادثٍ حديث
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 207 - الإثنين 31 مارس 2003م الموافق 27 محرم 1424هـ