العدد 207 - الإثنين 31 مارس 2003م الموافق 27 محرم 1424هـ

مهنة الصحافة: متاعب ومخاطر متعددة وملءٌ للفم بالماء

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

من أطلق على مهنة الصحافة وصف مهنة المتاعب ربما أصاب كثيرا، لأن متاعبها تزداد مع ازدياد الحرية الصحافية، وتزداد مع اختناق الحرية الصحافية ... تزداد مع ازدياد الطلب على ما تكتب، وتزداد في حال نقصان الطلب ... تزداد عندما تزداد الإعلانات المنشورة فيها وتزداد عندما تقل الإعلانات المنشورة فيها.

المجتمع يضغط باستمرار لنشر الأخبار المهمة وغير المهمة، سواء كانت عامة أو خاصة ... والحكومة تحاول منع نشر الأخبار إلا ما يصدر رسميا عنها. رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية الكبرى يودون معرفة تفاصيل الأمور لكي يتخذوا قراراتهم الاستثمارية، ولكنهم أيضا حساسون فيما لو نشر خبر يخص واحدة منهم. بل إن عددا لا بأس به من المؤسسات التجارية تربط نشر إعلاناتها في هذه الصحيفة من دون تلك بشرط نشر الأخبار الحسنة عنها.

كل تلك المتاعب مقبولة نوعا ما، وجميع الصحافيين في أي مكان في العالم يتوقعونها. ولكن ما هو غير مقبول ان تعتمد حكومة ما قانونا تستخدمه متى ما شاءت لخنق الصحافة، فمن دون وجود أي قانون فإن الصحافة تعيش ضغوطها ومتاعبها. أما مع وجود قانون مثل ما هو موجود لدينا في البحرين فإن الصحافي تصبح مهنته ليست مهنة متاعب، وإنما مهنة مخاطر مجهولة تنذر بالخطر على المستقبل السياسي للبلاد.

وعلى هذا الأساس فإن قوانين النشر في البلدان التي تحترم الكلمة وتحترم حقوق الإنسان لا تصدر بصورة اعتباطية، ولا تطبق بصورة مزاجية، وإلا فإن البلد تتحول إلى ما كان عليه الوضع في البحرين أيام قانون أمن الدولة.

حينها كان أهل البحرين والتجار والمصارف وغيرهم لا يقرأون الصحافة البحرينية ولا يستمعون الإذاعة ولا يشاهدون التلفزيون لمعرفة الأخبار، بل يتجهون لوكالات الأنباء الأجنبية وللصحف غير البحرينية وللإذاعات ولمحطات التلفزيون الخارجية. فالجميع كان يعلم أن ما ينشر لا يعبر إلا عن وجهة نظر واحدة وهي لا تغطي ما يدور في البلد بأي حال من الأحوال. والصحافيون يخافون من قانون أمن الدولة ومن قانون الصحافة والنشر المشتق منه، ويبتعدون عن ذكر أي شيء يخص الشأن العام بصورة مؤثرة. وهكذا تحول الصحافيون إلى موظفين خائفين على وظائفهم باستمرار.

مع التصويت على ميثاق العمل الوطني بدأ الانفراج السياسي وتحولت الصحافة البحرينية إلى مرآة تعكس كثيرا من آمال وطموحات المواطنين، وازداد تفاعل الناس والحكومة والتجار والناشطين السياسيين مع ما يكتب ويطرح في الصحافة اليومية، ولم يعد البحريني يتوجه إلى الصحافة الخارجية لمعرفة ما يدور في البحرين الا قليلا، فالأمور تطرح بإخلاص نية ووضوح قدر الإمكان. والصحف اليومية الثلاث بدأت تتنافس بصورة شريفة لمصلحة البلد والمواطنين، واستشعر الناس بتحقيق عدد من مطالبهم الحقوقية التي ناضلوا من أجلها كثيرا.

ثم حدثت نكسة بإعادة إصدار قانون للصحافة والنشر يخنق حرية الكلمة ويسلط النيابة العامة على الصحافة ويهدد بالسجن والغرامات لكل من يتفوه بأي كلمة لاتعجب مسئول هنا او هناك. وبعد تحريك دعوى من النيابة العامة (وما أسهل تحربك اي قضية حسب هذا القانون الذي لايعترف بحرية الكلمة) يتم جرجرة رئيس التحرير ومعه الصحافي الذي قد يكون نقل خبرا ما يتعلق بالصالح العام، وتتبع الجرجرة تلك تحقيقات لا تخلو من استنقاص من شأن القلم وإلغاء لكل الوعود عن الاصلاحات .

السؤال الذي يتداوله أصحاب الشأن الصحافي هو: ما هو المرجو وما الفائدة التي ستحصل عليها الحكومة من المضي قدما في تنفيذ قانون يخالف ميثاق العمل الوطني ويخالف دستور مملكة البحرين، فضلا عن انه يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجميع المواثيق الحقوقية الصادرة عن الأمم المتحدة؟

المؤكد هو ان التطور السياسي والاقتصادي لن يستفيد من هذا القانون وأمثال هذا القانون، والمؤكد أيضا هو ان الخبر والتحليل والرأي الذي يحاول منعه هذا القانون متوافر أو سيتوافر في الإذاعات ومحطات التلفزيون العالمية ومتوافر على وكالات الأنباء ومتوافر على الإنترنت. بل ان أثر الخبر الذي ينشر في الإذاعات ومحطات التلفزيون ووكالات الأنباء أعظم بكثير من الخبر الذي تنشره الصحافة المحلية، ذلك لأن نشر خبر على وكالة لديها مئة ألف مشترك في جميع أنحاء العالم، وكل مشترك له صحيفة أو إذاعة أو مؤسسة تجارية أو مصرفية.

على هذا الأساس وبنية صادقة ومخلصة سعينا وسعى أصدقاؤنا في الصحافة المحلية لتعديل قانون الصحافة والنشر، وأمر سمو رئيس الوزراء بتشكيل لجنة لتعديل القانون... ولكن اختفت اللجنة واختفت الوعود، بينما نزل القانون الذي يخالف الميثاق والدستور إلى حيزّ التنفيذ، وبدأ بالتضييق على الصحافيين، ولا يستبعد أن يقضي قريبا على ما لدينا من حرية صحافية تمتعنا بها في الشهور الماضية.

إن مسئولياتنا جميعا تحتم علينا الإشارة والتذكير، وإخلاصنا لحرية الكلمة تدعونا إلى لفت انتباه القيادة السياسية إلى ما تؤول إليه الأمور، والتذكير بأن الاستمرار في هذا الوضع المخالف للميثاق والدستور وجميع مواثيق حقوق الإنسان الصادرة من الأمم المتحدة سيؤدي إلى إحباط شديد لدى الناس الذين علقوا آمالهم على انفتاح الأجواء.

لقد خلصت نيتنا ونحن ندخل عالم الصحافة، ونتحمل جميعا مصاعب المرحلة الانتقالية، على أمل ان تتحسن الأوضاع، وعلى أمل رفع القيود. ولكننا بدأنا نشعر بأن نياتنا الحسنة وجهود الجميع الصادقة في هذا المجال ليس لها أثر، والأثر الوحيد الذي نستشعر ازدياد ثقله علينا هو تطبيق قانون الصحافة والنشر المخالف للميثاق والدستور وجميع مواثيق حقوق الإنسان.

أملنا أن لا يُملأ فمنا بالماء ويصبح حالنا كحال الضفدع التي قال عنها الشاعر: «قالت الضفدع قولا فسرته الحكماء في فمي ماء، وهل ينطق من في فيه ماء»

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 207 - الإثنين 31 مارس 2003م الموافق 27 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:30 ص

      شكرا

    • زائر 3 | 8:59 م

      المتاعب

      فعلا الصحافة مهنه المتاعب ، وتعبر ايضا السلطه الرابعه

    • زائر 1 | 12:34 م

      نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا

      بجد موضوووع رائع
      وثانكس على المعلومااااااااات

اقرأ ايضاً