العدد 207 - الإثنين 31 مارس 2003م الموافق 27 محرم 1424هـ

بين المرأة والرجل: البعدان القانوني والأدبي

الإسلام وحركة المساواة

قمت مع هالة أفشر ومها عزام وجين مقدسي ومنيرة فخرو بتوضيح نجاح أو فشل النساء في البلدان التي استخدم فيها الإسلام لإضفاء الشرعية على النشاطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في استخدام نشاطية الإطار الديني لكسب حقوقهن.

وأوضحت الورقة التي قدمتها أفشر كيف وضعت النساء الإيرانيات نشاطاتهن السياسية ضمن السياق الإسلامي. وقد أمعنت النظر في الكيفية التي وجدت بها النساء - اللواتي قمن بأدوار قيادية بارزة خلال الثورة - أنفسهن مهمشات بعد تنصيب الحكومة الإسلامية. إذ لم تستطع النساء أن يصبحن قاضيات. ولكن بالبقاء في السياق الإسلامي والمجادلة بقوة فيما يتعلق بوضعهن بكل صيغة متوافرة، استطاعت المناديات بحركة المساواة من الإيرانيات أن يحدثن تطويرا ذا أهمية في المجالات السياسية والتعليمية بعد هذا التأخر الابتدائي.

وتجادل أفشر بأن التاريخ الإسلامي يقدم للمناديات بحركة المساواة نماذج عليا (بدلا من النماذج الغربية الغريبة عليهن والتي ينظر إليها بشكل عام على أنها أداة للرأسمالية البطريركية). وتشرح أفشر من خلال المناقشات السياسية والتسويات أن النساء الإيرانيات أثبتن منذ بداية التسعينات الماضية أنهن كن مساويات للرجال في البرلمان، كما استعدن جزءا من مواقعهن في المهن الكبيرة. كما حصلت النساء على مكتسبات كبيرة في مجال التعليم وفيما يتعلق بفرص الأعمال، وقد أعطت أفشر أمثلة لعدد من النساء الإيرانيات البارزات المناديات بالمساواة بين المرأة والرجل واللواتي يعتبرن عضوات نشطات في المجتمع النسائي للثورة الإسلامية، وأخريات ممن ينادين بحركة المساواة من النساء البارزات صاحبات التوجه الإسلامي اللواتي يطالبن بالحقوق الإسلامية.

إن فكرة أن تسعى النساء المسلمات إلى نيل حقوقهن من منطلق ثقافة دينية وليس من خارجها، يصور بوضوح في ورقة مها عزام في إشارة خاصة إلى الحركة الإسلامية في مصر. ويمكن أن ينظر إلى هذا الرأي على انه ممثل «للتقليديين الجدد من المنادين بالمساواة». وتشير إلى مرونة التفكير الإسلامي مستشهدة بالتفسيرات المختلفة للقرآن من قبل الحداثيين، والعلمانيين، والتقليديين.

وفي مجتمعات مثل مصر قاد الضيق الاقتصادي إلى إعادة تقييم سياسي أساسي، وذلك بالعودة إلى الأرثوذكسية ورفض الأشياء غير الإسلامية. وقد قامت عزام بعمل مسح على بعض البدائل التي يقدمها الخطاب الأرثوذكسي للنساء، وقد تتبعت الانتشار الواسع في المدارس الإسلامية وفي الجامعات وفي المجموعات الإسلامية المسيسة. ويحدد نشوء الأخير مرحلة جديدة للنساء عبر الشرق الأوسط اللواتي يلعبن دورا متزايدا في حركات الإسلاميين السياسية في بلدانهم. ويعد الحجاب أمرا مركزيا في حركة الإسلاميين هذه. وبشكل عام فإن النساء اللواتي اخترن ارتداءه مدركات لميزاته الاجتماعية والاقتصادية وهي تتنوع من احتمالات اكبر للزواج، إلى تطبيقات عملية اقتصادية. وعلى رغم مظلة القبول التي يقدمها الإسلام، فإنه ليست هناك حلول مباشرة أو مجادلات تطرحها النساء المسلمات لبعض مجالات عدم المساواة الواضحة في قانون الأسرة، أو الطلاق، أو الحضانة، أو تعدد الزوجات أو الإرث، وهذا مغاير بشكل ملحوظ عن نظيراتهن في إيران. وهو ما أشارت إليه مير حسيني وأفشر. لكن النساء المصريات حصلن على وظائف أكثر أهمية بسبب ماضيهن السياسي والاقتصادي المختلف.

وتركز جين مقدسي على النساء في لبنان، وتدرس عددا من القضايا ذات الأهمية الحيوية للنساء بشكل عام (المسيحيات والمسلمات) في الشرق الأوسط وللنساء في الدول الإسلامية. فالنساء في لبنان يعملن في المصارف، والمستشفيات، والمحلات التجارية، ووسائل الاعلام، لكن تأثيرهن الحقيقي في البلد مقيد بشدة: فنادرا ما يصبحن نشطات في المواقع السياسية وفي المواقع العليا في الإدارة العامة، فيما عدا بعض الحالات من خلال صلاتهن بالرجال المهمين. وتوجه مقدسي اللوم في هذا إلى عدم وجود مؤسسات ديمقراطية. فهناك حواجز بين الطبقات، وبين الجنسين، وبين المذاهب الدينية.

وقدمت مقدسي أمثلة معاصرة وواقعية عن كيفية كون هذه التصنيفات مضللة، وكيف يمكن أن تصبح حاجزا يمنع الفهم الحقيقي للقضايا التي تهم النساء، وعائقا لتطورهن ليس فقط فيما يتعلق بظهورهن في المجتمع ولكن في التحرك نحو مواقع القوة وصنع القرار في بلدهن.

وتلقي مقدسي باللوم على النزعة للحكم على الحداثة، عن طريق المذهب، أو اللباس، أو اللغة. وتوضح كيف أن المرأة التي ترتدي الملابس الأوروبية الحديثة وترتبط بنمط حياة استهلاكية، بينما تبقى خاضعة للزوج ينظر إليها على أنها عصرية بسبب معرفتها باللغات الغربية وبسبب ملابسها. ومن الناحية الأخرى فإن نظيرتها الأفقر والتي تحافظ على غطاء الرأس، وتتحدث العربية فقط، لكنها تعمل في الحقول أو المصانع، هذه المرأة باستقلالها ووعيها وتنافسها الاقتصادي حتى في مقابل زوجها، تعد بسبب مظهرها وملابسها ولغتها متأخرة وتقليدية. وتعود مقدسي عبر الزمن لتدرس الأسس التاريخية لمثل هذه التصنيفات الاجتماعية، وتشير إلى أن خلفية سوء الفهم التاريخي هذا الذي يقسم النساء تكمن في النظام التعليمي الذي أسس منذ بداية القرن التاسع عشر إذ جلبت المدارس الأجنبية الأميركية والأوروبية أفكارا جديدة وملابس جديدة ولغات جديدة وأخلاقا جديدة. فانتشرت المدارس المسيحية التي تطبق مناهج غربية لما هو عصري، وتقول مقدسي بأن الأهم من ذلك هو أَنّ تقدُّم النساء أو مساواتهن لا يمكن أن يحدث إلا في مجتمع أقل تقسيما، فحواجز الطبقة الاجتماعية تعوق عمليات التحرر الحقيقية.

وترى مقدسي ان الحكومات يجب أن تكون أكثر مرونة، ولشرح هذا ذكرت انه خلال فترات الفوضى وفقدان الحكومة، تألقت النساء في لبنان، فخلال فترة الفوضى عندما كانت الدولة ومؤسساتها أقل فعالية، سيطرت النساء على المشهد، وفي أثناء ذلك تكفلت مبادئ الشرف والاحترام القديمة للأمهات بحماية النساء من مخاطر الحرب. عندما انتهت الحرب واستأنفت الدولة تأثيرها تم تهميش النساء مرة أخرى. وتدرس منيرة فخرو في ورقتها إمكان تطوير حقوق النساء في إطار إسلامي في حال سماح الحكومات في المنطقة بنظام ديمقراطي يمكن أن يقود إلى إصلاحات في مجالات متعددة منها مجال حقوق النساء. ولتفسير مبدأ العملية الحداثية قارنت بين طريقتين لمفكرين اثنين يعتقدان أن الباب لتفسير الشريعة مفتوح ويوصيان بنهج جديد فيما يتعلق بالنساء. الأول هو محمد شحرور والذي يتناول على وجه التحديد قضية تعدد الزوجات، والمهر، ولباس المرأة، وحقوق المرأة في القيام بالنشاطات السياسية، وعقود الزواج والطلاق. أما الثاني فهو عبدالحليم ابو شقا الذي يدرس الشخصية النسائية الإسلامية والمساواة، ومبدأ الحشمة في اللباس، ومشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية وفي الأسرة، أي خيارات النساء في الزواج والطلاق.

وقامت فخرو بعمل مسح على بعض هذه القضايا في الدول الخليجية التالية: البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية. وهي تنادي بتعديل قانون الأسرة في منطقة الخليج كما فعل الآخرون خلال القرن العشرين.

أما ورقتي فهي تتحدث عن محاولات النساء للحصول على مكانة اجتماعية وسلطة من خلال ملاحظة القيم الإسلامية. فقد تحولت النساء إلى الطرق الإسلامية للحصول على السلطة الاجتماعية والاقتصادية، فكسبن درجة من حرية الحركة التي لا يمكن تحديها من قبل السلطات لأنهن يستخدمن اللغة الشرعية للأمة. وتصف الورقة كيف أن هذه الحركة هي نتيجة ارتباط الأنظمة السياسية والدينية مع بعضها في المملكة العربية السعودية.

وقد أصبحت النساء السعوديات رمزا للنموذج الإسلامي، ويقع شرف العائلة من جانب وشرف الأمة من جانب آخر على أكتاف النساء. إذ يعد النقاب الأسود إجباريا. وتشير الورقة إلى أنه حتى بعد الإصلاحات السياسية التي تمت في العام 1992 بقيت النساء مستثنيات من أي دور حكومي.

ومع ذلك تقدمت النساء بشكل كبير في مجالات الأعمال، وفي مشروعات النشاط التجاري المنفصلة مثل فروع المصارف النسائية أو المتاجر النسائية. بالإضافة إلى ذلك فإنهن قادرات على الخروج من المنزل مرتديات نقابهن وهكذا استطعن الحصول على حرية اكبر في الحركة والتنقل. هؤلاء النساء خلقن فضاءهن الاجتماعي والديني.

ويعد كلٌّ من المرأة والرجل في القرآن الكريم متساويين في العقيدة. وفي الوقت نفسه، فإن أنماط وميادين كفاحهما تختلف، مما يقر للكثيرين شرعية استنثاء النساء من مجال الحكومة سواء في تفسيرات الأصوليين أو الحداثيين. فأين تقع قضية المساواة في هذه التركيبة المعقدة من الدول والأفكار وعدم التوازن الواضح الموجود في الممارسة العملية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟

وتحدد عزام مجالات عدم المساواة، في الطلاق، أو الحضانة أو الإرث، ثم تضيف أن النساء المصريات ذوات التوجه الإسلامي لا يفعلن أي شيء بخصوص هذه التطبيقات، لأنهن يؤمن بها ككلمة إلهية مقدسة لله كما أن الظروف الاجتماعية لهؤلاء النساء تجعل الإسلام بالنسبة إليهن إجابة أكثر من كونه سؤالا. وتشير مقدسي إلى انه على رغم حقيقة أن حركة المساواة الغربية وضعت الأساس لإنجازات في الشأن النسائي الشخصي الاقتصادي والقانوني، فإنه يُنتقد لفشله في الاعتراف بالأمومة.

كذلك يبدو أن النساء الإيرانيات المناديات بالمساواة يرفضن المثل العليا لأنصار حركة المساواة الغربيين. ولو أخذنا كمثال الوضع السياسي الحالي في إيران، فإن حلول مشكلات النساء الإيرانيات لا يمكن أن تكون بلغة غربية، ويجب أن تكون بصيغة محلية وأكثر شرعية. وتؤكد أفشر بصورة أكبر على المساواة الإسلامية بين المرأة والرجل في إيران. ويجب على النساء المسلمات أن يعتمدن على أخواتهن في الإسلام وعلى وجه التحديد على أمهات المؤمنين.

إن بداية الحركة النسائية الأصلية في الدول التي يسودها المسلمون موجزة بوضوح في الكتاب. ويمكن النظر إليها في سياق عجز الديمقراطية في الأنظمة السياسية لهذه الدول، وكذلك في اللامساواة على أساس الجنس. فالكثير من الحقوق التي تسعى إليها النساء هي حقوق المواطنين نفسها التي يحرم منها الرجال أيضا. وما لم تكن هناك حرية تعبير، ورقابة أقل وحرية تجمع، وتعصب أقل لاختلافات الرأي، لن تكون هناك حركات نسائية فعالة. إن السماح بوجود مجتمع متعدد الديانات هو أمر أكثر تحررا حتى إذا لم يكن المجتمع ديمقراطيا بصورة تقليدية. وكلما كان التعصب أكبر كانت الحرية أكبر.

وتشرح مقدسي بوضوح وجوب السماح للنساء بالمشاركة بصورة كاملة في العملية الديمقراطية في دولهن. وأنه يجب أن تكسر الحواجز بين الطبقات، والأديان، والجنسين.

وتربط عزام بين الإسلام والظروف السياسية في مصر مشيرة إلى الكيفية التي قادت بها إعادة تقييم الوضع السياسي لعودة الإسلام الأرثوذكسي. وتجادل أفشر أن ذلك قد يكون بسبب نوع الحكومة التي كسبت فيها النساء حقوقا معينة خارج نطاق الإصلاح. ولكي ينجح الجدل في شأن حقوق النساء يجب تشجيع الإصلاح، ويجب أن يدخل الليبراليون والديمقراطيون في الأنظمة، ويجب أن تكون هناك حرية في نشر دوريات أكثر تعنى بشئون النساء.

وتوضح الأوراق أن النساء تاريخيا كن قادرات على أن يطورن قضيتهن بشكل أكبر في فترات ضعف الحكومات المركزية في أوقات الحروب أو الاضطرابات الأخرى. إذ تشكل الاضطرابات فرصة جيدة للنساء تمكنهن من القيام بمبادرات. كما أن للحروب تأثيرات تحريرية على النساء. فخلال حربي الخليج الأولى والثانية انضم عدد لا بأس به من النساء إلى القوة العاملة في المصانع والحقول والمكاتب الحكومية ليحللن محل الرجال الذين أرسلوا إلى الجبهة. وقد أعطت الحرب مع إيران العام 1980 مبررات لدمج النساء في القطاع الحديث بسبب فقدان القوة العاملة الذكرية. ومع حلول السنة الثانية من الحرب كان هناك ازدياد ملحوظ في عدد النساء في الوزارات الحكومية. مع السنة الثالثة، أصبح عدد النساء اللواتي تم تشغيلهن في أعمال لا تتطلب أية مهارة أكثر من مليون امرأة وذلك في القطاعين الحكومي والخاص. ومن المعروف أن حرب الاستقلال في الجزائر كانت لها آثار تحريرية على المرأة. وخلال فترة النضال المسلح من أجل الاستقلال الوطني في مصر الذي حدث في الفترة الواقعة ما بين 1919 و1922 لعبت النساء دورا واضحا جدا. وأوضحت جين مقدسي أن النساء خلال الحرب الأهلية في لبنان في العام 1975 كسبن وضعا أكثر تأثيرا في المجتمع اللبناني.

إن الجدل الذي يدور حول ما إذا كان موقع النساء في الواقع يتحسن في مواقف الاضطرابات السياسية ليس معادلة بسيطة بين نوع النظام والسلطة الدينية الموجودين من جانب، والظروف الاقتصادية من جانب آخر. وأنه ما لم يتم حل الإطار القانوني مع اهتزاز الأمور، فإن النساء يستفدن بصورة متكررة. ولكن في ظل الركود الاقتصادي الحاد أو الانهيار التام للنظام تصبح النساء غالبا ضحيات، كما رأينا في البوسنة وفي راوندا. وكما نرى فإن النساء يستجبن أو يقمن بمبادرات في أوقات الاضطرابات في النظام السياسي بسبب رغبتهن في المشاركة في العملية الوطنية، ولأنه من السهل المطالبة بالحقوق خلال فترات التغيير





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً