العدد 205 - السبت 29 مارس 2003م الموافق 25 محرم 1424هـ

هل يتحمل مجلس الأمن مسئولياته ويوقف العدوان الأميركي البريطاني على العراق؟

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

بعد قرار مجلس وزراء الخارجية العرب الذي عقد في مقر الجامعة العربية في القاهرة في 24 مارس/ اذار 2003، واستنكر العدوان الأميركي البريطاني على العراق، وطلب عقد مجلس الأمن لاتخاذ اجراء بشأن العدوان. السؤال المطروح الآن هل تستطيع البلدان العربية الضغط على البلدان الأعضاء الخمسة عشر بما فيهم البلدان الدائمة العضوية الخمس لاستصدار قرار يوقف الحرب العدوانية؟

لا يختلف اثنان على أن حوادث 11 سبتمبر/أيلول 2001 اسهمت في احاكم السيطرة الأميركية على جميع المنظمات الدولية المتعددة الاطراف. فبعد ان كانت أميركا تشرع لمجلس الأمن لقتل الشعوب، وتشرع لإسرائيل لقتل الفلسطينيين من منبر مجلس الأمن، باصدار قرارات للمقاطعة الاقتصادية وشن الحرب على كل من كوريا وفيتنام والصومال والعراق وأفغانستان وبعض البلدان النامية، تجاوزت تلك الصلاحيات باصدار الأوامر للبلدان الأعضاء والدائمة العضوية في مجلس الأمن، وبذلك أصبحت جميع بلدان العالم والسياسة الدولية رهينة بالسياسة الاميركية. الغريب في الامر تجاوز اميركا لكل الاعراف والشرائع الدولية باصدار أوامر لكوفي عنان لسحب مفرزة الأمم المتحدة اليونيكوم من الحدود الكويتية العراقية، واطاعة كوفي عنان لذلك الأمر وسحب المفرزة، وبذلك تصبح الأمم المتحدة من دون ادنى شك طرفا في الغزو الأميركي البريطاني، ومنتهكة نفسها للشرعية الدولية والقانون الدولي، لان اطاعة كوفي عنان للأوامر الاميركية اجراء غير شرعي ما لم يوافق عليه مجلس الأمن. كذلك ينطبق الحال على سحب المفتشين الدوليين، الذين لم ينهوا عملهم بموجب القرار 1441، وهذا يتطلب من ناحية أخرى كما أوضح نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان عدم وقف برنامج النفط مقابل الغذاء في ظل أزمة انسانية سيتعرض لها الشعب العراقي من جراء الحرب.

البلدان العربية كذلك أصبحت ضمن نطاق الطاعة الاميركية واستجابت بعضها لطلب أميركا سحب الدبلوماسيين العراقيين وتجميد الأموال والاستمرار في المقاطعة للعراق في ظل الحرب. المنطقة العربية النفطية أسالت لعاب اطماع الشركات الأميركية والتخطيط للاستيلاء على أكبر مخزون للنفط في العالم. بعد إن تملك العرب نفطهم في مطلع سبعينات القرن العشرين بدأت القوى الكبرى في وضع الخطط الجهنمية للسيطرة على النفط العربي، وابقاء المنطقة مشتعلة بشكل دائم ومقسمة وغير مستقرة بزرع دولة «اسرائيل» على أرض فلسطين وفي قلب العالم العربي، وبذلك أصبحت المنطقة العربية بؤرة الصراع الدولي وهذا ربما يكون سبب معاقبة أميركا لبعض البلدان العربية التي تعتبرها مارقة مستخدمة مجلس الأمن لفرض عقوبات اقتصادية صارمة أو شن حرب مدمرة عليها. تضاعف الهيمنة الاميركية على مجلس الأمن بعد الانهيار التام للاتحاد السوفياتي، وتشكيل التحالف الدولي لتحرير الكويت من الغزو العراقي العام 1991م، عندها ابتدع الرئيس جورج بوش الأب فكرة النظام العالمي الجديد ونصب نفسه قائدا لذلك النظام، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد واجهت القوة العظمى في العالم أول تحدي حقيقي لها، عندما كسرت جماعات اصولية اسلامية الجبروت والعنجهية الأميركية، وهاجمت الدولة العظمى في عقر دارها وكانت تلك أكبر هزيمة سياسية هزت الادارة الاميركية وافقدتها صوابها، وكان يجب عليها رد اعتبارها كدولة عظمى وتأديب الاصوليين في افغانستان بامطارهم بالصواريخ القاتلة، وتأديب ما تعتبره أهم دولة مارقة وهي العراق بضربها عسكريا، لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، فقد نشأ عن الأخطاء الاميركية السياسية التي ارتكبها مستشارو الرئاسة المسيحيون اليمينيون المتصهينون، انقلاب دولي على الزعامة الاميركية بقيادة فرنسا والمانيا بسبب تضارب المصالح بين الدول الكبرى، ما اجبر روسيا والصين باللحاق بركب ا لحلف العالمي الجديد المتصدي لاميركا، الغريب حقا أن البلدان الصغرى الممثلة في مجلس الأمن كسورية وتشيلي وغينيا والباكستان شعرت بوطأة السياسية الأميركية المنفلتة على مصالحها، وانضمت بذلك للحلف الجديد لتشهد أميركا أكبر هزيمة سياسية لها في تاريخها القصير، عندما سحبت هي وبريطانيا واسبانيا مشروع قرارهم بشأن تخويل الأمم المتحدة شن حرب على العراق.

إذن الواقع الجديد ربما يكون وراء اصرار الرئيس الاميركي جورج بوش على تخطي قوانين وانظمة وقرارات الامم المتحدة، وانذار صدام حسين بشن حرب عليه إذا لم يغادر العراق مع حاشيته، في الحقيقة إنها ليست المرة الأولى التي تضرب اميركا فيها بقرارات الأمم المتحدة عرض الحائط وتغزو دولا مثل العراق فقد فعلتها في الدومنيكان وغيرها من قبل. أميركا سبق لها أن ضربت ما يقرب من 14 معاهدة دولية عرض الحائط منها: معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، ومعاهدة كيوتو للتغير المناخي، ومعاهدة انشاء محكمة الجزاءات الدولية في لاهاي، وحكم محكمة العدل الدولية عندما لغمت اميركا موانئ نيكاراغوا وغيرها من مخالفات القانون الدولي.

لاشك في ان الغزو الاميركي البريطاني الحالي للعراق، واحتلال أراضيه، وانتهاك سيادته الاقليمية، وتغيير نظام الحكم فيه، مخالف لنصوص ومصادر القانون الدولي وخصوصا الفقرة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة. الأمم المتحدة تعتبر أي دولة تنتهك الفقرة السادسة من الميثاق موضوعة في خانة الدولة المعتدية، وينطبق عليها تطبيق مجلس الأمن للفقرة السابعة من الميثاق الخاصة باتخاذ اجراءات كسرية ضد الدولة المعتدية (عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية) على عضو آخر من اعضاء الأمم المتحدة. فهل تستطيع الأمم المتحدة تطبيق الفقرة السابعة من الميثاق على إدارة بوش، كما فعلت مع العراق عندما غزا الأخير الكويت؟ سؤال نحاول الاجابة عنه.

القانون الدولي أو ما يعرف بالقانون الدولي العرفي أو قانون العلاقات بين الدول، يعتبر من صلب مجموعة القوانين والنظم المطبقة بين الدول ذات السيادة والكيانات الأخرى. وأعطيت لهذه القوانين صفة الشرعية والشخصية الدولية، ليحترمها المجتمع الدولي كما قال جيرمي بنثم. أية خطوة من قبل ادارة بوش بشن هجوم على العراق من دون موافقة الأمم المتحدة ستعتبر خطوة ضد الشرعية الدولية المتمثلة في مصادر القانون الدولي. مصادر القانون الدولي هذه صادقت وانضمت اليه حكومة الولايات المتحدة. الميثاق لا يجيز احتلال أراضي الغير بالقوة العسكرية، ويطالب عوضا عن ذلك بتحقيق أكبر قدر ممكن من التعاون الدولي لتشجيع بلدان العالم على احترام حقوق الانسان وحق الشعوب للعيش بحرية. إذا كان هناك شرخ للقانون الدولي من دولة عظمى ما عسى الأمم المتحدة ان تعمل بعد تحرر مجلس الأمن من التشريع الاميركي للقتل؟ والسؤال الاصعب المطروح هو ما صدقية وجود الامم المتحدة كمنظمة دولية مهمتها الاساسية استتاب السلام والأمن العالميين وحل النزاعات بالطرق السلمية؟ أنا اتفق مع المحللين السياسيين ان أهم اخطاء الامم المتحدة بعد سحب القرار الاميركي من مجلس الأمن، انصياع الأمين العام للأمم المتحدة للتهديد الاميركي وسحب المراقبين الدوليين «الانفومك» والمفتشين الدوليين لمراقبة اسلحة الدمار الشامل العراقية المنفذين لقرار مجلس الأمن 1441 وممثلي المنظمات الانسانية العاملة في بغداد والعراق في حال حرب تعرض المدنيون الى القصف الاميركي والمدن العراقية للدمار، من دون تشريع دولي أو سند قانوني أو قرار من مجلس الأمن، وفوق هذا وذاك، إذا كان الهدف الأول للأمم المتحدة هو حماية السلام والأمن الدوليين وفقا للفقرة السادسة من الميثاق، لماذا لا يتخذ مجلس الأمن قرارا عادلا بوقف الحرب أم أن نفاق العالم للقوة الاميركية وخصوصا الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الثلاث الرافضة للحرب تترقب اقتسام العكة مع الاميركيين والبريطانيين.

ليس من الفارقات ان نعلم ان تاريخ الامم المتحدة شهد الكثير من المتناقضات في اصدار القرارات الدولية، والاخذ بالمعايير المزدوجة عند تطبيقها. وفوق هذا فان الولايات المتحدة اتخذت الأمم المتحدة خصوصا المجلس كجسر لشن الهجوم على أفغانستان والعراق والصومال وفيتنام وكوريا وبنما وجرينادا وغيرها من البلدان الضعيفة. بل أن الولايات المتحدة كما يقال ارتكبت مجازر في حق الانسانية من دريسن في المانيا الى افغانستان وصلت إلى 60 مليون قتيل، فكيف يطبق عليها المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة وتتمتع بحق النقض (الفيتو)؟ ومن يستطع تنفيذ المادة السابعة على الولايات المتحدة؟ هل الدول العربية بمقدورها اجبار أميركا على الانسحاب، أو التأثير على مجلس الأمن لتحمل مسئولياته؟ طبعا لا.إذا امل الشعوب العربي في صمود العراقيين ودحرهم للعدوان الاميركي البريطاني

العدد 205 - السبت 29 مارس 2003م الموافق 25 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً