العدد 205 - السبت 29 مارس 2003م الموافق 25 محرم 1424هـ

العراق... وما بعده

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إنها حرب إقليمية تطاول المنطقة العربية والدول المجاورة للعراق. فالحرب لم تعد فقط ضد صدام حسين ونظامه ولا من أجل سحب «أسلحة دمار شامل»... إنها ضد الدول والنظام الإقليمي بذريعة محاربة شبكات الإرهاب وملاحقتها. هذا الكلام قاله وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد وردّدته مجموعة من أشرار الحزب الجمهوري الحاكم في البيت الأبيض.

كلام رامسفيلد خطير وجاء قبل أوانه. وتحذيراته التي أطلقها ضد سورية وإيران كانت متوقعة، إلا أنها جاءت مبكرة بعض الشيء. التوقعات كانت تقول إنه سيبوح بها بعد إحكام القوات الأميركية سيطرتها على العراق واستكمال الترتيبات الإدارية لعودة المعارضة (حكومة ظل للإدارة الأميركية) إلى بغداد لتقديم غطاء محلي للعدوان على المنطقة.

إلا أن التوقعات لم تكن في محلها. فواشنطن اضطرت إلى أن تكشف أوراقها وتميط اللثام عن أهدافها الحقيقية (إعادة النظر في الخريطة السياسية لدول المنطقة) قبل أن تحقق هدفها المعلن: احتلال بغداد وإسقاط نظام الرئيس العراقي.

والسؤال: لماذا توسع وزارة الدفاع الأميركية رقعة الحرب في وقت لم يحقق أشرار البيت الأبيض الهدف المعلن من حملتهم العسكرية؟

الأجوبة كثيرة. تبدأ بالاستراتيجية العسكرية وتنتهي بالأهداف السياسية. عسكريا هناك كلام عن صعوبات لوجستية وثغرات في الخطة الهجومية. وسياسيا هناك كلام عن حصول مواجهات لم تكن موضوعة في الحسبان. وبين العسكري والسياسي هناك أحاديث مؤامرات وخلافات. الخلافات ظهرت باستقالة الصقر الصهيوني ريتشارد بيرل لأسباب قيل إنها تتعلق بأمور مالية (سرقات وسمسرة)، وربما هناك عوامل أخرى لها صلة بوظيفة هذا المسئول في وزارة الدفاع ودوره في تحريض الإدارة وتوريطها في حرب بات من الصعب على الولايات المتحدة الانسحاب منها أو التراجع عنها.

أما أحاديث المؤامرات فهي كثيرة لأنها تقرأ ما بين سطور الحدث وتحاول أن تستنتج منه شبكة من الأفكار لا يجمعها جامع... إلا أنها في مجموعها موحدة على فكرة تقول: إن مافيا تجارة الأسلحة والنفط تحاول تسويق استراتيجية الحرب وتوسيعها حتى تزيد من سلطتها القابضة على إدارة البيت الأبيض. فالحديث عن صعوبات وثغرات هو صحيح في جوانب معينة، ولكنه لاقى الهوى في صناديق مافيات الحروب لأنه أسهم في رفع موازنات الحرب على العراق إلى الضعف. بريطانيا زادت موازنتها الحربية المخصصة لتدمير العراق من 1,5 مليار جنيه إلى ثلاثة. والكونغرس الأميركي وافق على إضافة 75 مليار دولار على موازنة الحرب التي أقرها عشية الحملة العسكرية.

إلى المافيات هناك أشرار البنتاغون والحزب الجمهوري والبيت الأبيض. فهؤلاء الأشرار استخدموا قصة الثغرات والصعوبات والأخطاء لزيادة كمية القوات المرسلة إلى الحملة. فواشنطن حين قررت الحرب أرسلت 230 ألفا من جنودها. والآن وبذريعة أن القوات ليست كافية بسبب تلك الصعوبات والثغرات والأخطاء التكتيكية أرسلت فرقة رابعة قوامها 120 ألفا معززة بخمسة آلاف آلية... وبذلك أصبح المجموع العام 350 ألفا، وهذا الرقم برأي كتلة الأشرار يكفي الآن لاحتلال العراق والسيطرة على مختلف مناطقه وقصباته ومحافظاته ومدنه.

هذه القوى الإضافية المدربة على حرب المدن بدأت تصل طلائعها إلى الكويت ويحتمل أن تدخل المعركة في الأسبوع الجاري (أربعة أو خمسة أيام) ووظيفتها الأساسية هي: قتل المدنيين بذريعة أن كل المدنيين في العراق هم قوة احتياط للنظام يديرها ويحركها ساعة يشاء.

الكلام الأميركي عن تغيير التكتيكات العسكرية والتجمع واقتحام المدن ترافق مع تصريحات مهمة تقول إن المقاومة الحقيقية التي يواجهها الغزاة تأتي من جهات مدنية وان مختلف القطاعات المهاجمة واجهت عمليات فدائية واقتحامات من أطراف ليست عسكرية. وهذا يعني باللغة الأميركية أن كل عراقي هو مشبوه وهو مشروع عمل فدائي واستشهادي وبالتالي على القوات أن تدافع عن نفسها بإطلاق النار على كل شيء حتى تلك المناطق التي يسكنها مدنيون.

إلا أن الوجه الآخر لهذا الكلام الأميركي هو اعتراف إدارة واشنطن بأن قواتها دخلت في حال اشتباك مع الشعب وأن المجتمع العراقي الذي يعاني من القمع والحصار غير مستعد للتخلي عن أرضه وسيادته.

الاشتباك الأميركي مع المجتمع المدني هو نقطة ضعف الهجوم العدواني وهو يشكل نقطة فارقة في سياق سيناريو الحرب لم تضعها البنتاغون في حساباتها حين حددت حجم المعركة وقوة الخصم.

وبسبب صمود الشعب العراقي اضطرت وزارة الدفاع إلى نقل فشلها السياسي إلى الخارج وتحميل سورية وإيران مسئولية تعثّر خطواتها التي بدأت سريعة جدا، ثم سريعة، ثم أقل من سريعة... وأخيرا توقفت على تخوم المدن والهضاب والصحاري في انتظار وصول دفعة جديدة من القوات.

المعركة إذن كبيرة وأكبر بكثير من نظام قائم في بغداد. والقوات المضافة الى قوات مهاجمة أرهقها القتل والقتال عندها صلاحيات واسعة للتدمير الشامل.

وصلاحياتها لن تقتصر على العراق بعد احتلاله... بل هناك وظائف ومهمات أخرى تنتظرها في الموجة الثانية من الحرب التي أعلنتها واشنطن على المنطقة العربية ـ الإسلامية بدءا من العراق. كلام رامسفيلد عن سورية وإيران ليس نهاية السيناريو بل هو بداية اضطرت واشنطن إلى إعلانها قبل أوانها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 205 - السبت 29 مارس 2003م الموافق 25 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً