ثمة من يستشعر في ايران كما في لبنان مثلا كما في معظم بلدان العالم العربي والاسلامي كما في ألمانيا كما في فرنسا كما في معظم بلدان العالم ان هناك شكلا من اشكال الاجماع قد تبلور وأنه في طريقه لأن يشكل عصبة جديدة للأمم بديلة عن الأمم المتحدة الحالية ربما عناوينها الثلاثة قد تكون الآتية:
- لا للطغيان الحكومي في الشعوب!
- لا للحروب وسيلة لحسم الصراعات!
- لا لتفرد أي قوة في العالم بمصير المعادلة الدولية!
في المقابل هناك أقلية لاتزال تقاوم تشكل مثل هذا الاجماع متمسكة بإرث قديم وصل اليها من الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة ويعتقد من يقرأ حركة العالم الحالية بالطريقة المذكورة اعلاه بأن الادارة الأميركية اليمينية وحكومة طوني بلير العمالية وحكومة صدام حسين الراديكالية التوتاليتارية وحكومة شارون الاسرائيلية المتطرفة على رغم اختلاف أنساق تشكلها وتفاوت طبيعة نشأتها وتوجهاتها انما تواجه مصيرا واحدا مريعا لن تستطيع اجتنابه وأنها آيلة إلى السقوط الحتمي في ملف العراق من دون تردد.
ويذهب هؤلاء الى الاعتقاد بأن هذا التحول الذي ينتظر مثل هذه الحكومات الرئيسية المعنية بشكل دراماتيكي بملف العراق ربما أدى فيما يؤدي اليه إلى بروز عالم جديد يختلف كليا عن العالم الراهن ايا كانت النتائج الميدانية لحرب محتملة على العراق.
فالادارة الاميركية ان انتصرت في حربها فتلك مسئولية كبرى ستترتب على الولايات المتحدة الأميركية ليس باستطاعة ادارة بوش ان تتحملها بمفردها ولاسيما بعد أن فشلت في قيادة تحالف دولي مريح لمثل هذه المهمة ما سيعني انها ستخسر انتخابات الرئاسة المقبلة تحت وطأة الضغوط والاجتماعات الداخلية وان فشلت في كسب الحرب ميدانيا فالمصيبة أعظم والحال نفسه وإن لم يكن اسوأ بالنسبة إلى حكومة طوني بلير العمالية والمهددة اصلا بالتفكك ربما حتى من قبل بدء الحرب على العراق والتي ان تجاوزت هذه المرحلة فلربما سيتم اعلان سقوطها اثناء الحرب بعد ان سقطت في امتحان إقناع الرأي العام البريطاني العام فضلا عن اقناع الأكثرية العمالية.
وأما حكومة الرئيس صدام حسين فإن وطأة الاجماع الدولي ضدها جعل من أيامها محدودة حتى وان استطاعت مقاومة الغزو الأميركي لمدة أسابيع أو منع الحرب، بعد أن خرج «المارد العراقي» الجماهيري من القمقم الذي كان قابعا فيه وتشكل رأي عام دولي مناصر للشعب العراقي ولضرورة التغيير في العراق حربا أم سلما.
من جه أخرى بات المطلعون على طبيعة الصراع الصهيوني الفلسطيني وأيضا كل تحولات العلاقات الأميركية الاسرائيلية الاستراتيجية باتوا متأكدين من أنه لاحظّ لمثل هذه الحكومة في الشرق الأوسط الجديد بعد تبريد الملف العراقي وخصوصا في حال نجحت نجحت الادارة الأميركية في اسقاط نظام صدام حسين حربا أو سلما لأنه في حال الحرب يصبح لا لزوم لحكومة شارون بعد أن تكون قد لعبت دور المختطف للملف الفلسطيني الساخن والذي كانت تمسك به رهينة إلى حين الانتهاء من مهمة التمكن من العراق وفي حال السلم فان الادارة الاميركية ستكون مضطرة إلى تقديم تنازلات جدية وجوهرية للمنطقة للتغطية على فشلها الديبلوماسي.
وحدها الحكومات والدول التي قرأت جيدا اتجاهات الرياح الشعبية واتجاه الريح الدولية الرئيسية واستطاعت أن تنظم أمورها على أساس توازن دقيق بين حاجاتها الداخلية للاصلاح والتغيير وضرورة ملاءمة أو مواءمة اتجاهات التحولات العالمية، هي القادرة على البقاء مدة أطول مستقرة وآمنة الى حين. يقول الزعيم الهندي العظيم مهاتما غاندي: «ان عليك أن تفتح شباكك للريح المقبلة بقدر حتى تتمكن من استشاقها نسيما يساعد على التوازن الداخلي عندك، ليس أقل من المطلوب فلا تفيد على شيء فيخنقك عدم التوازن الداخلي ولا أكثر من المطلوب فتطيح بك العاصفة أو الطوفان المقبل من الخارج». ما يجري في المقاييس والمعايير الدولية من خلاف واختلاف قد يصل أحيانا إلى حد النزاع والتنازع في مسرح مجلس الأمن الدولي بين القوى المختلفة الوريثة للحرب العالمية الثانية والحرب الباردة إنما يعبّر عن تململ في اتجاهين متضادين. تململ الأكثرية من محاولة فرض الطوفان عليها من جانب أقلية متعنتة تريد امتلاك مقادير الأمم المتحدة لوحدها، وتململ الأقلية من محاولة فرض معادلة أكثر توازنا عليها من جانب أكثرية تشعر بضرورة اعادة التوازن المفقود إلى العالم قبل فوات الأوان.
والملف العراقي بات أشبه ببيضة القبَّان التي من يمسك بها ويتحكم بها يستطيع ان يجعل الميزان يميل الى جانبه، هذا فيما يعيش العرب والمسلمون في حال أقرب ما تكون إلى حال الدوران
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 203 - الخميس 27 مارس 2003م الموافق 23 محرم 1424هـ