العدد 203 - الخميس 27 مارس 2003م الموافق 23 محرم 1424هـ

العدوان... والإحباط الأميركي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مرَّ الاسبوع الاول من الحرب العدوانية على العراق. ومن خلال قراءة التطورات الميدانية يمكن وصف المحصلة العامة للهجمات العسكرية الاميركية (المدعومة بريطانيا) بأنها نصف ناجحة نصف فاشلة. فالخطة التي وصفت بـ «العبقرية» يمكن القول انها تقليدية تستخدم أحدث الأسلحة والتقنيات ضد دولة معزولة ومحاصرة منذ اكثر من 12 عاما. قيل منذ البداية ان الهجوم يعتمد على نتائج الساعات الست الاولى اي استخدام «القوة الهائلة» لضرب مراكز القيادة ومختلف اجهزة الاستخبارات والمعلومات والاتصالات بهدف شل الاطراف ودفعها نحو الانهيار والاستسلام.

الخطة العسكرية التي وضعت كانت واضحة وتقوم على فكرتين: تعيين الهدف (اسقاط النظام وقتل رئيسه وأولاده والكتلة الصلبة المتعاونة معه) وتحديد جغرافية المكان (الوصول إلى بغداد في اقصى سرعة) وخوض معركة مكلفة عسكريا وانسانيا قيل ان ضحايا معركة بغداد ستبلغ قرابة 200 إلى300 ألف معظمهم من المدنيين.

حتى الآن لم يتحقق اي نجاح في الهدفين المحددين: اسقاط بغداد تمهيدا لاسقاط رئيس النظام. فالمعركة كما تبدو من التطورات العسكرية بحاجة إلى مزيد من الوقت.

الوقت اذن هو نقطة ضعف الهجوم. وأساس الضعف ان العدوان الاميركي لا يتمتع بأي تأييد دولي ويخالف القانون وتم بالضد من الشرعية الدولية وعلى رغم انف الدول الكبرى في مجلس الأمن ومعظم دول العالم. ماذا عن الوقت وكم تحتاج الولايات المتحدة من اسابيع لتحقيق غايتها: وهي احتلال بغداد وطرد النظام وقتل رئيسه وعائلته؟ هذه النقطة غامضة. قبل العدوان حددت القيادة العسكرية اعتمادا على مصادرها الاستخبارية ومعلومات فرق المفتشين الدوليين، بأن نظام بغداد ضعيف إلى درجة لا يستطيع الصمود والمقاومة، بين اربعة وستة اسابيع. فهذه المدة، كما كانت ترى القيادة العسكرية الاميركية، كافية لتحقيق الاهداف الرئيسية والوصول إلى جغرافية المكان واعلان نهاية النظام.

قبل ان يمضي الاسبوع الاول بدأت القيادة العسكرية تتحدث، من مراكز اعلامها المختلفة في قطر وواشنطن، عن اخطاء وثغرات وحصول مقاومة غير متوقعة. فالكلام عن اسابيع ألغي واستبدل بتصريحات متناقضة وغامضة عن المدة. فكل مسئول يتحدث عن مواقيت مختلفة عن نهاية الحرب. البعض يقول ان المدة قصيرة والبعض طويلة والبعض مجهولة والبعض الآخر يفتح الوقت إلى اجل غير منظور يمتد إلى اسابيع اخرى وربما شهور.

ماذا حصل حتى ترتبك القيادة العسكرية وتظهر عليها علامات استياء طرحت اسئلة غامضة عن معنى خوض معركة قيل انها ستكون فاتحة نظام اقليمي جديد يدمر المحيط ويعيد النظر في خريطته السياسية ويبدأ بتعديل انظمته وهويته وبرامجه التربوية.

عسكريا يمكن القول ان القيادة الاميركية المركزية مطمئنة إلى نتائج المعركة وهي تقول ان مسار الحرب يسير وفق الخطة المرسومة، اي ضرب الرأس في الساعات الاولى والدخول بريا ميدان المعركة للوصول إلى الهدف.

اذن، اين المشكلة؟... المشكلة كما تبدو سياسية. راهنت واشنطن على مجموعة تحولات تفرضها نتائج المعركة على الارض، وظنت الادارة الاميركية ان مواقف الدول الكبرى المعارضة للحرب ستتغير جزئيا بعد اندلاع شرارة المعركة وستبدأ التفاوض انطلاقا من الاعتراف الدولي بالنتائج التي قررتها اميركا على الارض من طريق القوة. حتى الآن يبدو ان هذا الرهان لم يتحقق. والدول التي عارضت الحرب لاتزال على مواقفها مع تعديلات بسيطة، فروسيا مثلا طورت اعتراضها نحو المزيد من الاحتجاج والرفض، بينما فرنسا تبدو مترددة مع ميلها الدائم نحو التمسك بموقفها الثابت. مجموعات دول عدم الانحياز، والدول الاسلامية، والدول العربية، ومختلف الدول التي تحترم نفسها لاتزال متمسكة بمواقفها الاولى، بل ان بعضها طور اعتراضه نحو الادانة السلبية والرفض المطلق لكل ما يحصل ميدانيا.

إلى هذه المسائل هناك مواقف الدول الاقليمية وهي المستهدفة في الموجة الثانية من الهجوم. حتى الآن لم تتزحزح تلك الدول عن مواقفها، فإيران كررت موقفها، بل انها ضغطت على المعارضة العراقية الموجودة في ارضها بعدم التحرك حتى لا يفسر بأنه بداية تأييد للعدوان الاميركي. سورية ايضا لاتزال على موقفها الرافض، بل انها تقود حملة سياسية - اعلامية ضد العدوان غير مكترثة بكل التهديدات التي يثيرها ارييل شارون في محاولة منه لارباكها. تركيا شكلت صدمة للولايات المتحدة وأسهمت في ارباك استراتيجية الهجوم من الشمال ويقال ان الموقف التركي المتردد عطل بعض اجزاء الخطة العسكرية واضطرت القيادة المركزية إلى تعديلها.

والاهم من كل ذلك، فضيحة «المعارضة العراقية»، اذ كشفت تداعيات المواقف السياسية انها ورطت واشنطن في كمية من المعلومات الكاذبة اسهمت في احباط الكثير من المراهنات على مشروعها العسكري العدواني. بل ان التطورات جاءت تعاكس معلومات المعارضة وتفضحها. فالمدن العراقية في الجنوب لم تسقط عسكريا إلا بحدود معينة ولم تفتح ابوابها السياسية للغزاة. حتى ان كل الوقائع جاءت تخالف التوقعات. فالشيعة في مقدمة صفوف المواجهة وبيان علماء النجف سجل نقطة مضيئة في تاريخ العراق الحديث وشجع الاهالي على الصمود والمقاومة والمواجهة وهو موضوع ظهرت آثاره في المواجهات البطولية التي اندلعت في مدن الجنوب وصولا إلى كربلاء.

الاحباط اذن ليس عسكريا في الدرجة الاولى. عسكريا القيادة المركزية مطمئنة إلى ان خطتها تسير وفق البرنامج الموضوع مع تعديلات بسيطة عليه ربما يحتاج إلى مزيد من الوقت... وربما لا يحتاج.

الاحباط الحقيقي هو في الجانب السياسي. فالعدوان الاميركي لم يأخذ صداه القانوني دوليا ولم يعدل مواقف الدول سياسيا... وأضيف عليه تردد تركيا وبيان علماء النجف والمواقف البطولية التي عاكست كل التحليلات والاكاذيب التي روجتها المعارضة العراقية في تلفزيونات الشرق والغرب.

الاحباط السياسي الاميركي هو نقطة قوة تضاف إلى الموقف العربي الذي يناقش قضية العدوان الآن في مجلس الأمن الدولي. هذا الاحباط يعطي افضلية للمجموعة العربية ويساعدها على انتاج قرار دولي يوقف الحرب ويدين العدوان ويطالب القوات المهاجمة بالعودة إلى الامكنة التي انطلقت منها قبل 20 مارس/ آذار.

هناك محاولات اميركية لإثارة نقاش عن الوضع الانساني وتحويل القضية العراقية من موضوع سياسي إلى مسألة شفقة واحسان ومساعدات غذائية مقابل النفط. هذه النقطة مهمة ولكنها مخادعة تريد إلهاء الرأي العام وحرفه عن الهدف الاساسي: ادانة العدوان.

المعركة معركة سياسية وليست مجرد اغاثة انسانية، وعلى المجموعة العربية ان تتمسك بمواقفها بالتعاون مع المجموعات الدولية لمنع واشنطن من استدراجها نحو العواطف المصطنعة وتغييب القضية الاساس: ادانه اميركا على عدوانها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 203 - الخميس 27 مارس 2003م الموافق 23 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً