القدس لا تريد من المسلمين أنْ يعقدوا لها اجتماعا كلّ عام، ولا حتى عدّة اجتماعات، إنّها تريد منهم أنْ يتحرّكوا بجدية؛ لتخليصها من أيدي أعدائها وإعادتها لأحضان مجتمعها المسلم كي تعيش بسلام واطمئنان، هي ومسجدها الأقصى المبارك، وهذا يحتاج من كلّ مسلم إلى عمل جاد ومستمر؛ كي يتحقق هذا الهدف الذي تتطلع إليه قلوب المسلمين في كلّ مكان.
مؤسسة القدس الدولية التي وجدت قبل ست سنوات حاولتْ أنْ تقوم بهذا الدور بقدر الفرص المتاحة لها، وقد عملت أشياء وبقيت أشياء أخرى كثيرة بحاجة إلى عمل متواصل؛ لأنّ الهدف المنشود يسهل كل شيء في سبيل الوصول إليه.
وفي دولة قطر، وخلال الفترة ما بين 12-14 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2008 عقدت المؤسسة مؤتمرها السنوي السادس، وبحضور حوالي 400 شخصية إسلامية من مختلف بلدان العالم، وقد كان لقطر دور إيجابي في قيام هذا المؤتمر واستضافته وتسهيل أموره، والمساعدة على جمع تبرعات للمؤسسة بهدف القيام بمسؤلياتها وإنجاز مشروعاتها - قدر الإمكان - والحقيقة أنّ قطر تشكر على كلّ ما قدّمته لهذه المؤسسة الخيّرة التي جعلت تحرير القدس هدفا وحيدا لها.
اللافت للنظر في هذا المؤتمر أنّ حضوره يمثلون الشرائح الإسلامية كافة، كما يمثلون المسلمين والنصارى؟ رأيت النساء والرجال، نساء يُوصفن بالالتزام، ونساء يُوصفن بغير ذلك، رأيت من يمثل القوميين والناصريين والاشتراكيين، كما رأيت الشيعة والسنّة، والنصارى على مختلف توجهاتهم الفكرية، الجميع جاء من أجل القدس، والجميع يعمل من أجلها. ولأوّل مرة أرى مثل هذا الجمع متحدا من أجل قضية واحدة، وجميعهم يعتبرون القدس بلدهم، والقدس وطيلة تاريخها الطويل احتضنت الجميع ولم تفرّق بين فرد وآخر.
وكان جميلا أنْ ترى المتحدّثين في ختام المؤتمر يمثلون شرائح شديدة التنوّع، فمنهم الشيعي، والسنّي، والنصراني، ومنهم المرأة والرجل، ومنهم العربي، وغير العربي، الكل اجتمعوا على قضية واحدة؛ إنّها قضية القدس ولا شيء آخر.
تحدّث الشيخ يُوسف القرضاوي في ختام المؤتمر - وكان مُتألقا كعادته - وأكّد أهمية وحدة المسلمين، ودعا إلى نبذ الفرقة، وتحدّث عن أهمية العمل من أجل القدس.
المطران عطا الله حنا أكّد أنّ القدس للمسلمين وللنصارى، وأنّ اليهود غزاة قتلة تجب مقاومتهم بكلّ الوسائل... وقد تلطف الشيخ القرضاوي فوصف «عطا الله» بأنّه «شيخ المطران».
في كلمة الشيخ فيصل مولوي التي أبكت الحاضرين عندما وصف لهم ما يجري في القدس، وفي فلسطين عامّة، وغزة خاصة، أشار إلى الأعمال التخريبية التي يقوم بها الصهاينة تحت المسجد الأقصى بهدف هدمه لبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه، وحث جميع المسلمين على تدارك الأمر قبل أنْ تحل الكارثة بهم!
ومن المعروف أنّ الصهاينة يعملون على تفريغ القدس من أهلها بغض النظر عن ديانتهم، كما أنّ جدارهم العنصري جعل مجموعة من أهالي القدس يعيشون خلف هذا الجدار، وقد اعتبر الصهاينة هؤلاء من غيرأهالي القدس... إنّهم يفعلون كلّ ذلك من أجل تهويد القدس... وللأسف إنّ معظم أعمال التخريب، والتهجير، وبناء المستعمرات تم بعد مؤتمر أنابوليس، وكان من المفروض أنْ تتوقف كلّ هذه الأعمال، ولكنّ الصمت العربي عامّة، والفلسطيني خاصة جعل الصهاينة يتمادون في أعمالهم الإجرامية.
أليس من المستغرب أنْ يسافر أولمرت إلى روسيا لمطالبتهم بعدم بيع السلاح لسورية وإيران، وهو على وشك ترك منصبه وإثر محاكمة أنهت مستقبله السياسي، ولا نرى المسئولين العرب يتحرّكون بجدية لإنهاء الاحتلال الصهيوني عن القدس وسواها؟ بل أليس من المخجل أنْ نراهم لا يفعلون شيئا لرفع الحصار في غزّة رغم كلّ المعاناة التي يرونها كلّ يوم من أهلها؟ هل يمكن أن نصدّق أنْ دولة عربية تفاخر بأنها هدمت هذا النفق أو ذاك بينما الصهاينة يبنون كلّ يوم مستعمرة هنا أو هناك مخالفة كلّ القوانين الدولية، بينما تلك الأنفاق البدائية تستعمل لتهريب الطعام أو الدواء!
على أية حال إنّ القدس بحاجة إلى وحدة الفلسطينيين أوّلا وقبل كل شيء... وبحاجة إلى إبعاد كلّ مَنْ يعمل لإضعاف الجهد الفلسطيني والمقاومة من بين صفوف الفلسطينيين.
وهي بحاجة بعد ذلك إلى وحدة الصف العربي والإسلامي، فالقدس ليست للفلسطينيين وحدَهم، إنّها لكلّ مسلم، ومن واجب كلّ مسلم أنْ يعمل كل شيء من أجل تحريرها.
لعلّ مؤتمر القدس يُعطي مؤشرا قويا على أهمية الوحدة بين المسلمين مهما تكن مذاهبهم وقناعاتهم الفكرية، كما يُطي مؤشرا على أهمية التلاحم بين كلّ مكونات المجتمع من مسلمين وغير مسلمين.
لقد كان لحضور مجموعة من الذين كسروا طوق الحصار عن غزّة أثر كبير على جميع الحاضرين، قابلوهم بالتصفيق الحار، والوقوف، والسلام، شكروهم على كل شيء فعلوه، طالبوهم بالمزيد، وقد وعدوا بذلك.
لكن حضورهم جعل المأساة العربية تتضح صورتها أكبر وأكبر في نفوس الحاضرين... كيف ينجح هؤلاء الذين لا يمتون للعرب بصلة، وكيف تفشل الحكومات العربية والقضية قضيتهم، والقدس لهم؟!
على أية حال مواصلة العمل من أجل القدس بكلّ الوسائل من أفضل الوسائل لحمايتها، وكذلك حماية بلادنا العربية كلّها
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2237 - الإثنين 20 أكتوبر 2008م الموافق 19 شوال 1429هـ