الاعتداء على منزل مدير المكتب الفني الكويتي نجيب الزعابي ليس عملا مُدانا فقط وإنما أيضا يعتبر نكرانا للأعمال الخيرية التي يقوم بها المكتب في البحرين. فالمكتب أنشئ في السبعينات لخدمة شعب البحرين من خلال بناء المدارس والمستشفيات، ومدير المكتب قضى عشرين سنة من حياته في البحرين وعاشره أهلها واعتبروه واحدا منهم وهو أيضا اعتبر نفسه واحدا من أهل البحرين.
لقد عُرف عن الشعبين البحريني والكويتي ارتباطهما الوثيق ببعضهما بعضا، وكان البحرينيون يلجأون إلى الكويت عندما تسوء الأوضاع السياسية الداخلية كما في الخمسينات. وفي السبعينات كانت الحركة الطلابية البحرينية في الكويت من أهم روافد الحركة الوطنية، والتلفزيون الكويتي كان يعرض برامج مسرحية وغيرها يقوم بها الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الكويت. وحتى في التسعينات عندما لجأ كثير من البحرينيين إلى الكويت، وعلى رغم وجود تنسيق أمني أدى إلى مضايقة عدد من البحرينيين، فإن الشعب الكويتي لم يعتدِ على البحرينيين. بل إن النخبة الكويتية أرسلت رسائل وكتبت عرائض ونشرت في الصحف مقالات تساند مطالب الحركة السياسية البحرينية. هذه العلاقات الممتدة عشرات من السنين عبّرت عن عمق الروابط والأمور المشتركة بين الشعبين.
الكويتيون يمرون الآن بفترة حرجة من حياتهم. فلقد كانوا قبل العام 1991 قوة عربية «عظمى» أكبر من حجم الكويت كثيرا. وكان أثرها واضحا على مختلف الجهات، فكان لديهم عطاء ثقافي وفني متميز، وبرامج تنموية ساندت التنمية في عدد من البلدان، من بينها البحرين، وكان لديهم توجه سياسي محلي يعتبر الأكثر انفتاحا بين الدول الخليجية. ولكن الكويت بعد العام 1991 فقدت أمنها الوطني، وأصبحت تعتمد على الحماية الأميركية العسكرية بصورة أساسية، وابتعدت الكويت عن أدوارها الريادية بعد أن أنهكتها حرب الخليج الثانية.
هذا كله مفهوم، لكن ما ليس مفهوما هو أن يتعرض أحد لشخص مثل الزعابي الذي عاش في البحرين وخدم البحرين ولم يحمل سوءا للبحرين. والذين اعتدوا عليه إما انهم يجهلون هذه الحقيقة وإما انهم مغرضون يحاولون إساءة استخدام الحريات التي مُنحت أخيرا في البحرين. الكويتيون ليسوا مذنبين، كما أن العراقيين ليسوا مذنبين. فهم وغيرهم ونحن معهم ضحايا سياسات خاطئة زُرعت في منطقتنا منذ مطلع القرن العشرين وازدادت سوءا بعد نهب فلسطين العام 1948، وبعد استفحال الدكتاتورية في بلادنا العربية والإسلامية.
وبسبب السوء الذي أصابنا انقلبت المعادلات رأسا على عقب، وأصبحنا نبحث عن الكرامة ونناضل من أجلها بعد أن سحقها الحكام وبعد أن سحقتها القوى العظمى التي لم تعد تحترمنا شعوبا وحكاما. ولعل الشيء الوحيد الذي يبعث على الارتياح هو أننا (الشعوب) تساوينا مع الحكام أمام أعين أميركا وبريطانيا وغيرهما من الدول الأخرى. فالأميركان ساووا بيننا قبل أن يساوي بيننا الموت، فجميعنا ليست لنا كلمة محترمة، وجميعنا تتخذ عنه القرارات المصيرية التي تخصنا من دون استشارتنا أو الاعتبار برأينا.
بادئ الأمر كانت الولايات المتحدة طرحت أسلوب «تدويل» مشكلاتنا الشرق أوسطية، وهكذا أصبحت فلسطين مشكلة دولية (بمعنى أن جميع الدول يجب أن يكون لها دور ورأي)، ولبنان غدت مشكلة دولية، والعراق أيضا مشكلة دولية. ولكن عندما اصطدمت أميركا مع الارادة الدولية حوّلت القضايا الشرق أوسطية إلى قضايا أميركية خاصة تعنيها هي بالدرجة الأولى والأخيرة، وهي المعنية باتخاذ القرار أو عدم اتخاذه. وأميركا لديها إمكاناتها التي لم تتوافر لقوة دنيوية من قبل، ولذلك فإن خلط الأمور بالطريقة الحماسية لدى بعض الشباب أمر لا يخدمنا لا من قريب ولا من بعيد.
ان أي استهداف لكويتي على أرض البحرين أو خارج البحرين لن يؤثر في السياسة الأميركية، كما أن كل أساليب العنف الأخرى التي تضر بوضعنا المحلي لا تؤثر في اتجاه السياسة الأميركية ولذلك فان اللجوء اليها يضر بالبحرين قبل الاخرين
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 203 - الخميس 27 مارس 2003م الموافق 23 محرم 1424هـ