العدد 2237 - الإثنين 20 أكتوبر 2008م الموافق 19 شوال 1429هـ

جولة في قلب المنامة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الصيف الماضي، وبعد زيارة مجلس عزاء لإحدى عوائل المنامة، دعاني رئيس المرسم الحسيني إلى جولةٍ في الحي القديم بالقسم الشرقي من المنامة.

هذا الجزء من العاصمة لم أدخله منذ سنوات الدراسة الثانوية، قبل أكثر من ربع قرن، ورغم حرارة الجو في تلك الظهيرة إلاّ أن الجولة كانت ممتعة في تلك الأزقة الضيقة والبيوت المتلاصقة في دفء حميم. المنطقة صغيرة المساحة جدا، ومحصورة بين شارعين، ولكنها تمثّل روح هذا الشعب الطيب المتآخي خير تمثيل. ففي هذه البقعة الصغيرة، يتجاور مسجد بن رضي ومسجد بشمي، ومسجد عبيد ومسجد الشيخ إبراهيم، ومأتم العريض والصفافير، وعلى أطرافها جامع الفاضل وكنيسة القلب المقدس... والأعجب من ذلك كله أنها تحتضن في قلبها معبدا كبيرا للهندوس.

كنا نمشي بين أزقة ضيقة، ولم يكن هناك ما يشي بوجود معبد كبير، وفي أحد المنعطفات مال بي مرافقي عبد النبي الحمر نحو زقاقٍ أكثر ضيقا، وإذا بي أمام حوانيت صغيرة لبيع البخور كأنك في حي هندي قديم، وعلى بعد خطواتٍ كنا نعبر بوابة المعبد الهندوسي.

المفاجأة كانت مذهلة، فهذه هي عاصمتنا الأصيلة بروحها الواسعة وصدرها الحنون، لم تضق ذرعا بالوافدين إليها وطالبي الرزق، فما بالها تكاد تفقد عقلها وتخالف سيرتها الراشدة هذه الأيام؟

هذه البقعة من المنامة أنموذجٌ ليس إلا، يعطيك عيّنة من البحر البحريني الكبير. وفي هذه البقعة الصغيرة، كانت تعيش أسرٌ من مختلف الأطياف، بشمي وبن رضي، وقراطة والعريض، والشتر والجشي، والشروقي وحميدان، والحمر وبن رجب، وكثيرٌ غيرها من الأسر الكريمة. ومنها خرج وزراء وأطباء، وكتاب ومثقفون وشعراء، وجمهور عريض سادت علاقته روح الانسجام والمحبة والإخاء. ولذلك لم يكن غريبا أن تنطلق منها قبل سبع سنوات، تجربة «المرسم الحسيني»، التي يشارك فيها فنانون وفنانات من مختلف الفئات، من سترة والمحرق وقرى شارع البديع، إلى مدينة حمد والرفاع الشرقي.

هذه إذا عاصمتنا وهذا هو تاريخنا وإرثنا، ونحن أمام مفترق طرق، أما المحافظة على هذا الإرث الحضاري الكريم، وإمّا أن نفرّط فيه ونستمر في لعبة السياسة القذرة، التي تميّز بين الأخ وأخيه، وتقيم الأسوار بين المواطنين، وتفرض على البحرين نهجا غير مسبوق من التفرقة بين أبناء الوطن الواحد، والتمكين لقوى سياسية ذات مصالح فئوية، تتعارض حتما مع المصلحة الوطنية العليا، ويهدّد استمرارها النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية في الصميم.

هناك فرقٌ بين الكتابة النظرية من داخل الغرف المكيفة، والكتابة وأنت تعيش بين الناس. الناس لم تعد تتقبل هذه التخريجات والفذلكات، التي تبرّر التمييز وسياسات الإقصاء على أيدي بعض الأطراف المستفيدة من الدولة. ولا يمكن معالجة المشاكل الحقيقية برميها على الطرف الآخر الذي أُغلقت أمامه الأبواب حتى على مستوى محاسبة وزير، حتى أحبط ويئس من التغيير.

عندنا مشكلةٌ كبيرة، يجب أن نقرّ بوجودها، ونعمل معا على معالجتها، فالعقلاء لا يعالجون أزماتهم الوطنية بخلط الأوراق، وتصوير أية مطالبة بالعودة إلى مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين، على أنها مطالبةٌ بالمحاصصة الطائفية، فهذه مغالطة تقدّم الأرضية الفكرية الفاسدة لاستمرار الأزمة، وتكريس حالة عدم الثقة، وزيادة الشرخ في الصف الوطني. هذه هي عاصمتنا، وهذا هو إرثنا التاريخي المشترك، فانظروا ماذا أنتم فاعلون

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2237 - الإثنين 20 أكتوبر 2008م الموافق 19 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً