العدد 2237 - الإثنين 20 أكتوبر 2008م الموافق 19 شوال 1429هـ

من أجل استمرار التجربة الديمقراطية (2)

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

استكمالا لما بدأتُ فيه في المقال السابق، أواصل معكم قراءة وتحليل الواقع الحالي لأغراض العمل على استمرار التجربة الديمقراطية، وبدورنا نعيد على أنفسنا الفرضية التالية: إذا ما أريد للديمقراطية في البحرين النمو والازدهار، فيجب الانطلاق من الدستور مرة أخرى، والذي ينص على أنّ الشعب مصدر السلطات جميعها، وأنّ مجلس النوّاب المنتخب المكوّن من أربعين عضوا، وبموازاته مجلس الشورى المعين والمكون من أربعين عضوا أيضا، يشكلان مع جلالة الملك، السلطة التشريعية التي لها حق صياغة التشريعات القانونية، والموافقة عليها.

ولا يجادل عاقلٌ أنّ المقصود بالشعب هنا، جمهور الناخبين الذي يشكّلون غالبية الناس الذين يحق لهم التصويت على القرار السياسي، وليس المقصود به عُلية القوم ورؤساء الناس الذين لا يمثلون سوى أنفسهم. وهذا المعنى برز واضحا إبان التصديق على ميثاق العمل الوطني حينما دعي الناخبون للتصويت عليه، فصوّتوا عليه بأغلبية ساحقة فاقت التوقع (98.4 في المئة).

لقد صوّت شعب البحرين بغالبيته على ميثاق العمل الوطني الذي ينصّ على وجود مجلس بغرفتين، واحدة منتخبة تمارس الرقابة والتشريع، والثانية معيّنة من أهل الخبرة لتقديم المشورة، ولم يحدد الميثاق عدد أفراد هاتين الغرفتين كلتيهما، وتركت تفاصيل ذلك للدستور الذي حدد عدد أعضاء كلّ غرفة بأربعين، ومنح الغرفة المعيّنة شراكة كاملة في أمر التشريع.

وطالما أننا نتحدّث عن الديمقراطية التي يجب ممارستها من قبل الشعب مصدر السلطات كافة فيجب أنْ تكون آليات الديمقراطية بارزة هنا، والمسلمة الأولى التي يجب الإقرار بها أنّ النصف مضاف إليه واحد يعني صوتا عاليا للشعب يجب الأخذ به.

صحيح أنّ الدستور حدد بعض الأمور التي لا يجب اعتماد التصويت فيها؛ لأنّها من الثوابت الوطنية، وأنه حدد أمورا أخرى يجب أنْ تصل نسبة المصوّتين فيها إلى الثلثين.

والأسئلة المثارة هنا، كيف تفرز عملية انتخابية في بلد يسعى؛ لأنْ يضع قدميه على طريق الديمقراطية التي تمارسها الدول المتقدّمة، أكثرية نيابية بأصوات لا تزيد عن 35 في المئة من أصوات الناخبين؟

وكيف تضيع وتخفت غالبية أصوات الشعب، مصدر السلطات، بأصوات لا تقل عن 65 في المئة، أهي العدالة والمساواة التي أرادها الدستور، أم أنّها الديمقراطية التي يطوّرها بعض الأفراد في السلطة من التي لم تؤمن يوما بأنّ الشعب مصدر السلطات؟! والمهيمنة اليوم على مراكز اتخاذ القرار؟

في اعتقادي، أنّ الديمقراطية في البحرين، تحتاج إلى دفع قوي من قبل طرفين أساسيين، الأوّل هو، جلالة الملك الذي أرسى بإرادته السياسية أساس هذه الديمقراطية، والثاني هو، شعب البحرين الذي صوّت على ميثاق العمل الوطني مُباركا للملك مشروعه النهضوي.

وليس بغريب على جلالة الملك الذي اتخذ القرار الجرئ وأخرج البحرين من أزمة التسعينيات، وأوصلها إلى شاطئ رحب تتنفس فيه رياح الديمقراطية أنْ يبادر مرة أخرى ومن جديد إلى إصلاح القرار الذي شاب العملية الديمقراطية، وأوقعها في مطب يكثر العثار فيه.

كما أنّه ليس من الغريب على شعب البحرين، بكلّ طوائفه وفئاته، أنْ يصلوا إلى توافق على الموضوعات الجدلية التي شابت العملية الديمقراطية، والتي من أبرزها توزيع الدوائر الانتخابية التي صارت سببا للكثير من المشكلات التي تعاني منها الديمقراطية.

وليس من العدل أبدا، أنْ يهضم شعب البحرين بتوزيع جائر للدوائر الانتخابية لا تفرز بحق ممثليه، مهما حاول المدافعون عن ذلك القرار، فإننا نعلم أنّه جاء القرار لأغراض المحافظة على توازنات طائفية، وليعطي الأقلية قوّة كبيرة مهيمنة على اتخاذ القرار والعكس صحيح أيضا.

ومن وجهة نظري، فإنّ جلالة الملك بثاقب نظره، قد تلمس مكامن الخطر على المجتمع، ووضع يده على الجرح المؤلم، المتمثل في تفريق المجتمع طائفيا، والتمييز بينهم، وقد أحسن فعلا عندما تبنى بنفسه مجابهة الطائفية المفرقة، والتمييز المجحف، ووجّه الشعب إلى الوقوف صفا واحدا ضد دعاتها، وبذلك يكون المدافع الرئيسي عن حق الشعب في الحصول على كامل حقوقه، ومنها حق المساواة في العملية الانتخابية.

وفي تصوّري أنّ التوزيع العادل لنظام الدوائر الانتخابية المعمول به حاليا، يتم بمراعاة أمرين هما: توزيع الدوائر الانتخابية بحسب أعداد الناخبين، بحيث لا تطغى دائرة على أخرى كالذي موجود فعلا على أرض الواقع فإحدى الدوائر في المحافظة الشمالية يتجاوز أعداد ناخبيها الناخبين الموجودين في المحافظة الجنوبية، والمفترض ألا تتجاوز الزيادة أو النقصان في أية دائرة أكثر من 10 في المئة وأنْ تكون تلك الزيادة أو النقصان طبيعية غير مفتعلة، مع ضرورة تجنب تفتيت الدوائر الطبيعية بتقسيمها بين دوائر متعددة؛ لتضييع أصوات ناخبيها كما هو معمول به حاليا، ويمكن تصور تقسيم مملكة البحرين إلى خمس دوائر انتخابية فقط، بحسب توزيعها إلى محافظات، واحتساب أعداد الناخبين في كلّ محافظة، ومنحها العدد الممثل لها، وإجراء العملية الانتخابية في كلّ محافظة بالاقتراع على العدد الكلي الممثل للمحافظة، بدلا من توزيعهم إلى دوائر انتخابية.

وللمهتمين برجاء متابعة المقال القادم لاستكمال قراءة تحليل التجربة الديمقراطية وسبل تطويرها ودعمها لأهداف وطنية صادقة

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2237 - الإثنين 20 أكتوبر 2008م الموافق 19 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً