كثير من المواطنين يتساءلون عن صدقية تلك الاستعدادات الوقائية للمؤسسات الرسمية لاي حدث طارئ يصلنا من الحرب على العراق... ولأن الكتاب يعرف من عنوانه فالاستعدادات عرفت بصفارات الانذار البحرينية التي مازال الشارع البحريني متوجسا من ان يكون احد الصواريخ الطائشة - لا سمح الله - اذا ما قدمت يكون صوته أقرب الى السمع من صفاراتنا المتواضعة وتلك الاستعدادات التي سمعنا عنها.
ومازلنا نسأل ادارة الدفاع المدني عن سر بقاء صفارات الانذار البحرينية على «الهزّاز» على رغم ابتداء الحرب وتوجس الناس؟
لقد اصبحت صفارات «الانذار» و«الاستعدادات» محل تندر الكثير من المواطنين وذلك طبعا تندر مغلف بالوجع والاستياء والا فعلى رغم مرور المنطقة بثلاثة حروب استمرت احداها 8 سنوات والى الآن لا يوجد استعداد حقيقي لاي طارئ؟ هذا سؤال علمي وواقعي إذ راحت وزارة الداخلية تصطاد لها مبنى رياضيا هنا ومدارس حكومية هناك كملاجئ؟ وهذه ضحكة العام... والا ما دخل المدارس وما مدى ملاءمتها لأن تتحول الى ملاجئ؟ فهل هي تستطيع حماية نفسها حتى تحمي الناس والمجتمع؟ الوصية من الوزارة جاءت على طريقة «في حال القصف، على المدرسين ان يأخذوا الطلبة إلى ساحات المدارس وفي الفضاء! هذا اقصى حالات الاستعداد... في الفضاء لاستنشاق المواد الكيماوية في حال - لا سمح الله - لو اطلقت وفي الساحات حتى يكون الطلبة مرمى سهلا للقصف؟ هذه ليست استعدادات وانما مغامرات وعملية حشد اعلامي!!
هذا ليس حلا... وهو يسمى بالاستعداد المعكوس، وكفاية فضائح... «اسرائيل» وزعت على الشعب أجهزة واقية من المواد الكيماوية وأقامت ملاجىء تحت الأرض واقية، اضافة إلى توزيعها النشرات وبثها الاعلام المركز وعقدها المحاضرات المركزة في المدارس والجامعات و... وأما وزارة الصحة فاكتفت بخيمة «صحية هنا» و«خيمة صحية هناك» ووزارة التربية اعطت كل ابن من ابنائنا «ورقة مكتوبا عليها الاسم» واكتفى المحاضرون بالتطمينات الخطابية من غير ان يقولوا لنا من اين جاءهم كل هذا الالهام الالهي وهذا القطع بأننا كخليج او كمملكة خارجون عن دائرة الخطر؟. والاستعداد بدا حتى في دولنا الخليجية وعلى اتم الاستعداد!! ادارة الدفاع المدني قامت بتركيب 22 صفارة «انذار» تم ربطها بجهاز تحكم مركزي... وعلى رغم ذلك فإن الكثير من المواطنين لم يسمعوا الصفارات واصبح الكثير من المجتمع يتساءل عن احتمال تحول «نكتة الهزاز» الى حقيقة فالامر غريب والله المستعان والمجتمع يتساءل اي شركة هي التي قامت بمناقصة الصيانة لـ 22 صفارة؟ بالهناء والشفاء.
على المسئولين في هذه المراكز ان يكونوا بحجم المسئولية اما الاتكاء على عملية تضخيم الاستعدادات بطريقة صحافية فهذا لا يبعد الخطر وان الاتكاء على افراد متطوعين هنا وقلائل هناك لا يكفي للتستر على مدى الضعف الوقائي او الاستعدادي لحالات الطوارئ وهنا أنصح ادارة الدفاع المدني بتوزيع 600 الف صفارة كرة قدم على المواطنين فلعلها تكون افضل استعدادا واستيعابا من اي خطر قادم لا سمح الله. ثانيا: لماذا لم يقم المسئولون بتوزيع او بيع- اقنعة واقية من المواد الكيماوية مدعوما رسميا، فالناس الى الآن على رغم نكهتهم الخليجية فإنهم مازالوا يكتفون بملصقات هنا او هناك على بيوتهم كي لا تصل لهم رائحة البرتقال والتفاح الكيماوي؟
الاخبار تسارعت بأن أكثر المسئولين من وزراء ومديرين ووكلاء وفروا كل هذه الاستعدادات والاجراءات الوقائية لابنائهم - وعلى فرض صحة ذلك وهذا ليس ببعيد - أليس الدستور يقول: المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات...؟ البعض يقول: قبلنا ألا نتساوى في السلم فابن الفلاح ليس كابن الوزير ولكن حتى في الحروب هم غير متساوين؟!! حقيقة الاستعدادات البحرينية تسبب الاحباط واليأس.
لقد افزعني - وانا اقرأ تلك الاستعدادات الضخمة في الدول الخليجية المجاورة وغيرها - تلك التصريحات التي جاءت على لسان مدير ادارة الدفاع المدني عندما قال: «ان مبنى ادارة الدفاع المدني يمثل قلب العملية وتم تجهيزه بكل المتطلبات الآنية والتطلعات المستقبلية.... وتم اعداد المركز بـ 30 جهاز حاسوب و23 خطا هاتفيا لاستقبال استفسارات الجمهور عن ذويهم المصابين ومعرفة اصاباتهم والمواقع العلاجية»... الجميل أن كل هذه الارقام المتواضعة التي وضعت في «قلب العملية» هي لأجل 600 الف مواطن؟... وعلى رغم ذلك أسماها المدير بالعملاقة... لن ازيد كثيرا، فقط اطلب من الادارة ان تطلع على حجم استعدادات الدول الاخرى المجاورة وهي موجودة على الانترنت وبالارقام، لتعرف حجم ضعف استعدادات ادارتنا الرسمية في هذه الادارات والمراكز. فقط صوت الصفارات الكويتية وصلت الى حدود بعض الدول المجاورة. فالمواطن ليس بوسعه ان يسافر بابنائه الى الخارج حيث الامان وليس بوسعه ان يتغافل عن حجم الاستعدادات ومَن مِن المواطنين لا يطمح إلى قناع وقائي يقيه من مثل هذه المواد الجرثومية؟
طبعا قصة المجتمع مع صفارات الانذار قصة مأسوية... هذا شأن من لا يعانون اي حرج في جهاز السمع وكان الله في عون (الصمخان) فليس لنا الا ان نقول لهم: قلوبنا معكم وصفارات الانذار ايضا والله يزيل الصمم بصفاراتنا!!!
الملفت للانتباه ان مدير ادارة الدفاع المدني والاطفاء وجه نصائح وارشادات الى المواطنين معربا عن أمله الكبير في التجاوب معها كما طمأن الجمهور بأن مملكة البحرين «البعيدة عن محاور الحرب تعتبر آمنة بصورة عامة».
- اولا يجب على كل اجهزة الدولة ان تقوم بتظاهرة تثقيفية واسعة عن الحرب وخطورتها وعدم الاكتفاء بالتقاط الصور للخيم اليتيمة او التصريحات التطمينية... نحن في حرب وكم تبعد منطقة الكويت او منطقة الحرب عن دولنا؟ فكلنا دول خليجية وآثار فقط اليورانيوم في حرب الخليج الثانية مازالت تفتك بأبناء الخليج وما انتشار امراض السرطان الا دليل على ذلك... فالناس يبحثون عن تجاوب من المسئولين وليس العكس اما قول احتمال الخطر ضعيف و... كل هذه التصريحات لا تمنع من الاجراءات الوقائية ويبقى السؤال: اين هي ادارة العلاقات والاعلام الأمني في الادارة ذاتها هل ستكتفي بتوزيع قصاصات مقتضبة وبسيطة لا تحمل عمقا وقائيا؟ فـ 90 في المئة من الشعب ليس عنده ثقافة وقائية وعلاجية واسعافية، فالناس ليس عندهم الا عملية التقاطر على المجمعات الاستهلاكية لجمع الغذاء فقط... وهذا يعكس ضعف الأداء الاعلامي للادارة وللاعلام ايضا. من شهد أزمة سقوط الطائرة البحرينية قبل سنوات قليلة في البحر وحجم الارباك الذي حدث يقتنع بعدم استعداد مستشفياتنا ومراكزنا لاي حدث طارئ. ففي الاوقات العادية تجد هناك حال اختناق سريريا وعلاجيا في المستشفى المركزي اليتيم مستشفى السلمانية فكيف - لا سمح الله - لو وقعت حوادث اخرى او تداعيات للحرب.
ختاما نقول: يجب ان يكون الجميع بحجم المسئولية وعلى المسئولين ألا يتخذوا من الصحافة طريقا لتلميع الصورة ووضع المكياج لأخطاء او قصور قد يؤدي في نهاية المطاف إلى كوارث. نحن في حرب ولسنا في مرثون تسويقي اعلامي او دعائي والناس تشعر من اول يوم لاطلاق صفارات «الانذار» بخيبة الامل وعلماء الاجتماع والنفس يقولون: ان انتشار النكت في اوساط السواد الاعظم من الناس على قضية معينة دلالة على ان هناك خطأ في الموقع ذاته... لذلك نقول: لعل صفارة الانذار نبهت الناس ليس لخطر الحرب - هذا اذا سمعوا - وانما نبهتهم لحجم ضعف الاستعداد ونحن بحاجة الى جرأة علمية لنقد ما حدث لاستيعاب ما يمكن استيعابه
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 201 - الثلثاء 25 مارس 2003م الموافق 21 محرم 1424هـ