العدد 201 - الثلثاء 25 مارس 2003م الموافق 21 محرم 1424هـ

الشيخ سليمان المدني: أسّس تنظيما إسلاميا وأثّر في حياتنا جميعا

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

برحيل الشيخ سليمان المدني يوم أمس الأول تفقد البحرين أحد علمائها الأجلاء الذين تميزت حياتهم بأعمال مؤثرة في حياة الأمة. فالشيخ المدني لم يكن شخصا عاديا، بل كان رئيس حزب الدعوة الإسلامية ـ فرع البحرين لمدة قاربت عشر سنوات منذ تأسيس الفرع في منتصف الستينات حتى منتصف السبعينات. وعملية تأسيس تنظيم سري وقيادته ليست بالأمر الهين، وآثار العمل التنظيمي الذي ساهم بصورة أساسية في تأسيسه الشيخ المدني باقية حتى الآن، على رغم بروز اختلافات ـ وهذا أمر طبيعي ـ بين رفاق الأمس.

الشيخ المدني عاصر مرحلة خصبة من العمل السياسي الحركي في النجف وثم البحرين، وكان من المتفوقين جدا في دراسته في كلية الفقه بالنجف الأشرف. فتلك الكلية كانت قد أسست على نهج جامعي حديث لمنح درجة البكالوريوس، وتمكنت الكلية من تخريج أفضل طلاب العلم في النجف، وكان الإمام محسن الحكيم قد عزم على تأسيس جامعة الكوفة بناء على نجاح تلك التجربة. ولكن قام حزب البعث لدى وصوله الحكم في العام 1968 بإلغاء مشروع جامعة الكوفة، ولو سمح لذلك المشروع بالتأسيس لكانت تلك الجامعة من أكبر المؤسسات الأكاديمية في العالم الإسلامي نظرا إلى ما أعد لها الإمام الحكيم من إمكانات حيوية.

الشيخ المدني تخرج بدرجة بكالوريوس ثم درس في الحوزة على النهج الحوزوي، وانضم إلى حزب الدعوة الإسلامية في العراق مع عدد من الحوزويين والجامعيين البحرينيين آنذاك. وبما انه كان من الأوائل في التنظيم شرع في تأسيس فرع للحزب في البحرين، واستطاع استقطاب عدد مهم من الشخصيات السياسية الفاعلة. ولعل أهمها أخوه الشهيد عبدالله المدني، الذي كان أحد قياديي حركة القوميين العرب، ولكن بتأثير من الشيخ سليمان المدني خرج من الحركة وانضم إلى حزب الدعوة، كما كان الحال مع عدد آخر من الشخصيات.

الشهيد عبدالله المدني كان صحافيا وسياسيا قديرا واستطاع من خلال مجلة المواقف دعم نشاطات الكتلة الدينية داخل المجلس الوطني (وكان هو ايضا امين سر المجلس)، وكان أثر الشيخ المدني ـ بصفته التنظيمية وبصفته الدينية ـ واضحا جدا على العمل البرلماني في الكتلة الدينية التي كانت تشارك فيها شخصيات كبيرة أيضا.

الكتلة الدينية كانت لها آثار كبيرة على حياة البحرين السياسية، ولذلك أصبح جميع أعضائها من أهم الشخصيات في الحياة العامة لاحقا وتوسع نفوذها كثيرا عن طريق جمعية التوعية الإسلامية... ولذلك كانت الكتلة الدينية تمتلك مقومات كبرى للتأثير في الحياة السياسية: 6 أعضاء في برلمان 1973 ومعهم ثلاثة آخرون يساندونهم ليصبح عدد الكتلة عند التصويت تسعة أشخاص (من أصل ثلاثين عضوا منتخبا)، ثم هناك الدعم الصحافي من خلال مجلة المواقف، وأهم من ذلك ربما المؤسسة الاجتماعية الكبرى التي نظمت النشاطات في مختلف أنحاء البحرين وهي جمعية التوعية الإسلامية.

بعد حل المجلس الوطني العام 1975 وانتهاء الحرية الصحافية التي كانت لدينا في السبعينات لمدة سنتين فقط، بقيت الجمعية هي المحرك الأساس للعمل الإسلامي الداعم لنشاطات ثقافية واجتماعية وشبه سياسية. في هذه الفترة (منتصف السبعينات) حدث اختلاف داخل صفوف حزب الدعوة وانتهى المطاف إلى تسلم صف آخر زمام الأمور، وكانت لتلك الاختلافات في وجهات النظر آثار جانبية على المجتمع عموما، ولكن الطرفين (بصورة عامة) التزما بأخلاقياتهما الإسلامية. واستمر هذا الوضع حتى فبراير/شباط 1984 عندما أجهزت المخابرات على حزب الدعوة واعتقلت معظم قيادييه وتم تفكيك الحزب تنظيميا، وأغلقت جمعية التوعية الإسلامية بعد ان اتهمتها المخابرات بأنها جزء من كيان ذلك الحزب السري.

بعد العام 1984 خلت الساحة من تنظيم واسع يمسك بكثير من الأمور كما كان الحال قبل تفكيك حزب الدعوة... ولكن برزت إلى السطح شخصيات مهمة (أمثال السيد أحمد الغريفي) الذين استطاعوا مع الجامعيين وعدد من الناشطين طرح البديل لما افتقدته الساحة من ترابط تنظيمي. وبعد وفاة السيد الغريفي في العام 1985 بدأت الساحة تتغير، وخرجت جموع الشباب الذين شعروا بالغربة من وطنهم لأنهم محرومون من العمل ويضطهدون لأسباب سياسية واجتماعية، وتعقدت التحالفات وظهرت الحركات السياسية والشبكات الاجتماعية البديلة. و ليس المجال هنا للتفصيل في هذه الأمور وإنما لعرض مرحلة حياة الشيخ سليمان المدني.

فالشيخ المدني ساهم ـ بلاشك ـ في تأسيس أحد أهم مشروعات العمل الحركي الإسلامي ومارس نشاطه العام بعد خروجه من ذلك المشروع، واستمر في التأثير على الشأن العام سواء كان مشاركا أم غير مشارك في عمل وطني معين. والشيخ المدني له أفكاره وآراؤه، ومهما اتفق أو اختلف المرء معها، فإنه يبقى رمزا دينيا وعالما جليلا نحزن لفقدانه ونسأل الله أن يتغمده برحمته ويلهم ذويه الصبر والسلوان

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 201 - الثلثاء 25 مارس 2003م الموافق 21 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً