قال نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في تصريحات لـ «الوسط» ان المشروع الاميركي يعتبر العراق بداية الطريق وليس نهاية المطاف، وقد عبّر المسئولون الاميركيون في محطات مختلفة عن انهم يريدون اجراء تغييرات سياسية في المنطقة، وانهم يتأملون منطقة مختلفة عما هي عليه الآن. فالعراق بنظرهم معبر لمجموعة من الضغوط والتغييرات التي يتأملونها وهم يعتبرون ان سورية ولبنان وايران وفلسطين تشكل (الرباعي المؤثر) في قضية فلسطين، ولابد ان يتم الضغط على هذا الرباعي مستفيدين من نتائج العدوان على العراق فيكونون بعرض القوة عمليا قد مارسوا دورا تخويفيا وفي حضورهم الميداني يكونون اوجدوا القدرة عمليا للضغط المناسب في الوقت المناسب، وقد شكلوا لذلك مساندة فعلية امام «اسرائيل» حتى لا يكون في وجهها اي عبء عربي محتمل ليقتصر الامر على ساحة تكون فيها «اسرائيل» متفرغة لمواجهة فلسطين ولبنان وسورية وتكون اميركا متفرغة لمواجهة ايران ودول الخليج، وضمن تقسيم يأخذ في الاعتبار امكان الاستفادة من امكانات موجودة في المنطقة، هذه النقطة الاميركية بناء على نجاحهم في العراق في ان يبدأ الضغط على هذه الدول، بما فيها دول الخليج لاعتبارات اخرى ليس لها علاقة بفلسطين فقط وان لها علاقة بالمزيد من السيطرة وتحمل المسئوليات للتطورات القائمة هناك.
- لكن يبقى السؤال الكبير، هل ستكون الطريق سهلة امام الاميركيين ليتابعوا خطتهم العدوانية إلى آخر المطاف، أم ستواجههم عقبات تجري تعديلات فيها؟
- اعتقد ان انتظار ما ستؤول اليه نتائج الحرب العدوانية على الشعب العراقي وردود الفعل المحتملة على هذا الغزو الاجرامي هو الذي سيساعد في رسم صورة تفصيلية لما ستكون عليه الاوضاع في المنطقة، لكن يجب ان نضع في حساباتنا ان تلك الضغوط ستكون كبيرة وان الاستهداف للمنطقة هو استهداف واسع جدا لكل قواها الحية وان يكون استعدادها على قدر هذه الاحتمالات الخطيرة والكبيرة.
واضاف الشيخ «نعيم قاسم» قائلا:
- توجد قناعة لدى الأميركيين بأن منظومتهم الفكرية والثقافية، هي المنظومة التي تساعدهم على ان يتحكموا في العالم، فإذا كان العالم يحمل الرؤية نفسها ويعتبرهم مصدرا للترويج والتعبئة ثقافيا، فهذا يساعدهم على أن يقودوا العالم ويوجهوه في تفاصيل مفرداته وحياته اليومية. وعندما يرتبط العالم بهم ثقافيا كما يربطونه عمليا على المستوى السياسي والاقتصادي سيصبح ملحقا بمركز القرار الدولي الذي يضخ المفاهيم والسلوكيات ويدير الوضع العالمي بمختلف جوانبه، وهذا حلم تطمح اليه الادارة الاميركية، وكانت تتمنى لو كان هذا من دون اضرار الدخول في عمل عسكري مباشر، لكن لاحظوا ان بنية الشرق الاوسط وطبيعة الثقافة المنتشرة فيه والحضارة التاريخية التي استفادت من الاسلام بشكل كبير في انشاء تكوين معرفي وعملي وسلوكي ومجموعة من المفاهيم التي اصبحت مترسخة وعادت مجددا إلى الظهور والحيوية في واقع الناس والشباب... منذ ان وجد الاميركان ان هذه العودة تشكل عائقا امام قدرتهم على النفاذ وتشكيل المثال الاعلى الذي تعود اليه شعوب المنطقة، ومع كل المغريات والامكانات المادية والتطور التقني، لم تستطع الولايات المتحدة ولا الغرب بشكل عام، ان يوجدوا الشرخ الجذري الذي يؤسس لتحول ثقافي وعقائدي كبير في منطقتنا. وقد جرت سابقا محاولة من الشيوعية وفشلت، وكذلك جرت محاولات مكثفة من المثقفين المتغربين ومراكز الابحاث والضخ الثقافي الذي كان يريد ان يؤسس لمفاهيم معينة في منطقتنا، ولم تنجح النجاح المطلوب، وعادت الرؤية الاسلامية تعيش النشاط والحيوية، بعد طول غياب، ما جعل الاميركيين يعتقدون ان الدخول العسكري هو الأسرع في الامساك بالمنطقة، وهذا بصراحة يدل من ناحية اخرى على نقطة فشلهم، اذ لو كانوا قادرين على الترويج من خلال المفاهيم تمهيدا للسيطرة الطوعية فهذا افضل لهم ويمكنهم من الاستقرار والاستمرار، ولكن عندما يستخدمون اسلوب الاحتلال العسكري، فهذا يدل على عجزهم في استقطاب الشارع العربي بشكل عام، ما اضطرهم إلى استخدام القوة الغاشمة، وهذا آخر سلاح لديهم يمكن استخدامه.
لكن تجارب التاريخ تقول ان سلاح القوة يستطيع ان يسيطر آنيا لكن لا يستطيع ان يركز للمستقبل، وهذا السلاح يستفز الشعوب عادة ويكتل القوة المتربصة مع القوة الرافضة لتشكيل حال من الرفض العام الذي يؤدي إلى مكافحة ومواجهة الاحتلال بأي شكل وبأي صورة ما يؤدي إلى ايجاد تغييرات معاكسة لارادة المحتل وان كان واثقا بنفسه وقدرته على السيطرة كبيرة، لكن هذا عائد ايضا إلى القوة الرافضة وحجم تأثيرها وقدرتها على الحركة والعمل والتعبئة، فإذا عملت بشكل فعال فإن بإمكانها ان تسقط الاحتلال واهدافه مستقبلا، لكن اذا كانت ضعيفة وغير فعالة فيستطيب الاحتلال ان يحقق جزءا من اهدافه، وهذا الامر مرتبط بالمواجهة والرفض وليس مجرد شعار نظري، لكن قناعتي بأن الخلفية الثقافية هي خلفية اساسية لأن الربط بالمفاهيم الاميركية يساعد في ان يكون العالم محلقا، بينما الخلاف مع هذه المفاهيم يشكل حاجزا وحالة من الممانعة التي تستعصي على التطويع أو السير في الركب السياسي كما يريد الاستكبار العالمي.
-وهل ان الولايات المتحدة الاميركية تفتش عن الاسلام الذي يتلاءم مع استراتيجيتها على الصعد كافة؟
- من المعروف ان الاداء الاميركي يختلف عن الاداء الاوروبي، فرنسيا او بريطانيا، بحسب تجارب هاتين الدولتين في الاستعمار سابقا، فأميركا تفكر دائما في الترويج لأفكارها ومصالحها حتى لو ادى ذلك إلى أن تتعايش مع بعض الافكار والعادات التي لا تشكل حاجزا من دخولها إلى منطقة ما، فهي لا تتوقف عند الشعارات والافكار المطروحة، انما تراقب النتائج، بعكس الاداء الفرنسي والبريطاني سابقا، الذي كان يتوقف كثيرا عند الشعار ايضا، ويهتم بطائفة معينة او جماعة معينة مهما كانت الظروف، ويحاول ان يؤسس لأن يكون إلى جانب هذه الطائفة كأساس ثم يرى كيفية العمل، بينما الاميركي مستعد لأن يضحي بطائفة بكاملها وان يبدل قناعاته واساليب عمله وينتقل من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار في التعاطي مع اية جهة على قاعدة تحقيق مصالحه، لذلك وجدنا الاميركيين تعاونوا مع طالبان عندما وجدوا ان مصالحهم تتحقق، تفاعلوا معهم كمجاهدين وتركوا اي تعبير او أي منطلق ينطلق منه هؤلاء من دون ان يتعاطوا معهم سلبا لأن ما يهمهم هو مواجهة نفوذ الاتحاد السوفياتي حتى ولو ادى إلى رفع عناوين وشعارات اسلامية، ثم في مرحلة اخرى واجهوا هذه الحركات لاعتبارات لها علاقة باختلاف مصالحهم في المنطقة.
وهم كانوا الداعمين الرئيسيين لنظام صدام حسين لمواجهة ايران - الاسلام عندما قدمت كل اشكال الدعم والامكانات، ثم انقلبوا عليه عندما وجدوا مصالحهم تختلف عن هذه النتيجة اليوم، فالاميركي لا ينظر في سياسته إلى افكار الجهة التي يتعامل معها، ولا إلى الطائفة ولا إلى المذهب، حتى ولو بدّل الشعارات ووافق على انماط معينة، نراه مثلا يرفع شعار حقوق الانسان، ويوغل فيه إلى اقصى حد من خلال حالة فردية لابراز الدفاع عن حقوق الانسان، وفي حالات اخرى يدعم نظام ينتهك حقوق الانسان كل يوم مئة مرة من دون ان يحرك ساكنا تجاه هذا النظام، بل يدعمه في اطار قمع حقوق الانسان، ما يدل على ان الديمقراطية وحقوق الانسان في مفهومهم عناوين ثقافة يختبئون وراءها لتحقيق اهداف، فاذا كانت الاهداف تتحقق بابرازها يبرزونها واذا كانت تتحقق في اخفائها يخفونها لمرحلة من الزمن.
واختتم نائب الامين العام لحزب الله تصريحه لـ «الوسط» متحدثا عن الانهزام الرسمي العربي:
لم تُبْنَ الانظمة العربية بطريقة مستقلة منذ نشأتها، ولم تُؤَسِسْ لحضورها في بلدانها بطريقة شعبية لتكون محصنة باختيار الشعب لها، وكانت في معظمها محتاجة دائما -كي تبقى- إلى دعم خارجي تعطي من خلاله اثمانا باهظة، ومع الاسف النظام العربي عموما صنيعة استكبارية وليس وليدا طبيعيا باختيارات شعبية، فهو لم يؤسس قاعدة من التفاعل والتماسك مع الشعوب، بكل كان يمارس الدور القمعي حتى في الفكر والعقيدة والتعبير عن الرأي بدرجة اصابت الكثير من القوى حتى باتت حركة الاحزاب العربية ضعيفة وليست ناشطة، إلا ما ندر. وامام هذا الواقع يجب ألا نستغرب هذا السبات العميق للانظمة العربية. ويجب ألا نستغرب عجزها وعدم قدرتها، وعادة الازمات تفضح الحقائق وتبرزها، فما نراه اليوم من صمت واحباط وعدم قدرة على فعل اي شيء هو نتيجة لما تأسست عليه، وعلى هذه الانظمة ان تعيد النظر في طريقتها مع شعوبها وفي ادائها وإلا سيطولها التغيير، وضمن منظومة اميركية
العدد 199 - الأحد 23 مارس 2003م الموافق 19 محرم 1424هـ