كن من شئت وما شئت اليوم، يكفي أن تكون إنسانا لتكون ضد الحرب وضد العدوان على العراق.
لماذا؟ لأن الحرب لا يمكن أن تكون هي الحل، ولم تكن يوما حلا ناجعا لأي نزاع. فالحرب عادة ما تجلب الكوارث والفجائع الإنسانية معها. وما تهدمه الحرب في النفوس والقلوب لا يمكن إعادة بنائه حتى بعد عقود. هذا إذا كانت الحرب واقعية لحل نزاع تشتبك فيه الحيثيات وتتداخل، ولا أحد يعرف أين تكمن الحقيقة بالضبط، فكيف إذا كانت من طرف متجبر وطاغية عالمي هدفها السيطرة على الموارد والتحكم بمصير أمة ظلت عصية على الانصياع، كما هي الحال في حرب اليمين الأميركي الغارق في مستنقع شارون الدموي كما هي الحال في العدوان السافر على العراق!
لا أحد هنا بصدد الدفاع عن حكومة الرئيس صدام حسين، ولا عن ممارساتها وسياساتها، ولاسيما مسئوليتها عن حربين كارثيتين ضد إيران وضد الكويت، وتاليا ضد موارد المنطقة. بل العكس تماما، أي لأننا ذقنا ولانزال نتذوق مرارة هاتين الحربين اللعينتين، فإننا نقف ضد الحرب على العراق بكل شجاعة وبكل إصرار. الحرب على العراق انطلقت وللأسف الشديد على رغم كل النداءات العالمية المناهضة لها، وعلى رغم كل المبادرات الاقليمية والدولية لتجنبها، خرج بوش على المجتمع الدولي والشرعية الدولية مصرا على ان يكون مرجعه شارون وعصابة الخمسة المحيطين به الذين لا ينظرون في مدار بصرهم إلا كيفية تحريك اقتصاد السوق الأميركية الراكدة، وإعادة تفعيل أرباح الشركات الأميركية التسليحية، وضمان أمن شرطي المنطقة «إسرائيل»، وذلك عن طريق وضع اليد نهائيا على مقدرات العراق أولا، في مقدمة لوضع اليد على مقدرات المنطقة بالكامل. ليس صحيحا انهم يريدون نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، ولا حتى إجراء تغييرات شاملة في النظام السياسي العراقي بما يؤمن حكومة ديمقراطية تعددية في العراق. وقد أعلنوها صراحة في الساعات الأخيرة قبل اندلاع المعارك، «سندخل العراق حتى لو رحل صدام حسين وأعوانه». فماذا يعني هذا؟ إنه يعني أننا نريد العراق حربا أم سلما. نريده نقطة انطلاق لسائر أهدافنا في السيطرة والهيمنة وضمان أمن دولة العدوان والقتل والهدم والرعب «إسرائيل» الكبرى والدولة الوحيدة القوية في الشرق الأوسط الجديد!
فهل مثل هذه الحرب شرعية ومبررة ويمكن الدفاع عنها بأي شكل من الأشكال؟! أبدا، لأنها حرب على الشرعية الدولية ممثلة في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وحرب على الاتحاد الأوروبي، وحرب على الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي، وحرب على «الأوبك»، وحرب على روسيا والصين، وحرب على اليابان، بل وحرب على الإنسانية جمعاء. إنها حرب على الجميع. إنها حرب قذرة ضد الحضارة والثقافة والمدنية وكل أشكال الحياة الإنسانية، ولأن العراق بلد ووطن أكبر من طاغية وأكبر من حاكم وأكبر من نظام سياسي، وبلد لطالما افتخر به العرب والمسلمون في التاريخ، ولا يمكن تلخيصه اليوم بصدام حسين كما لم يمكن تلخيصه بالحجاج بن يوسف الثقفي في التاريخ القديم، فإننا على ثقة بأن العراق الشعب والأمة والوطن والحياة، بعشائره وأهله وعلمائه ونخبه، سينتصر على طلاب السلطة وطلاب الحرب معا، ولا يسعنا إلا ان نقول بضع كلمات هدية إلى الشعب الصامد الصابر الذي ابتلاه الله بمحنة الاستبداد والطغيان وحرب الأشرار والمستعمرين القدامى والجدد
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 199 - الأحد 23 مارس 2003م الموافق 19 محرم 1424هـ