العدد 199 - الأحد 23 مارس 2003م الموافق 19 محرم 1424هـ

حرب الأكاذيب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

القارئ للتاريخ يقف على ما يغطي الحروب من أكاذيب، وما يلفها من مبررات، تصطبغ في الكثير من الأحيان بغطاء أخلاقي أو ديني أو مبدئي، بينما تختبئ وراءها مصالح دنيوية بحتة.

ومن الطبيعي ان يحاول المتورطون في الحروب تمويه حروبهم التي تزهق فيها الأرواح بمبررات من هنا أو هناك، ولكن الحصيف لا يصدق ما يقولون، أو على الأقل يبقى على جانب الحذر والتشكيك.

وإذا قدر للتاريخ تسجيل هذه الحرب القذرة التي يشنها هذا الرئيس الأميركي الأرعن، فإنه لن يجد ما يكتبه في صحائفه من مبررات يمكن أن تغطي السوأة أو تستر على العار الأسود.

في السابق كان مجرمو الحروب حين يعلنون الحرب يطرحون دعاواهم، في خطوة لتسويق أكاذيبهم، ولتجميل القبح في أعمالهم الشنيعة، من قتل وتدمير حضارة وتخريب عمران وإزهاق أرواح بريئة. وفي التاريخ نماذج كثيرة. لكن في اعتقادي ان مثل هذه الحرب القذرة لن تجد لها مثيلا في التاريخ أجمع. فالأسباب المعلنة كلها لم تقنع طفلا صغيرا، فكيف بها واقطابها يخرجون على شاشات التلفزيون كل يوم مرة أو مرتين ليخترعوا كذبة جديدة أسوأ من أختها!

في البداية أعلنت باسم الحرب على الإرهاب، وأراد دهاقنة البيت الأبيض إثبات صلة العراق بالقاعدة، وهي كذبة أقرب إلى المهزلة، فكيف يجتمع الماء مع النار؟ وحين لم يصدقهم احد قالوا انها حرب من أجل السلام العالمي وحماية العالم من أسلحة الدمار الشامل، وجندوا بليكس والبرادعي وجنودهما من مفتشين وجواسيس ليثبتوا ذلك، وعلى رغم كل الوقاحة والصلف اللذين تميز بهما أداء هذين الرجلين لم تستطع واشنطن إثبات وجود الأسلحة المزعومة، وحدث أن وجدت ذات يوم صواريخ فارغة فطبلت وزمرت، وفي يوم آخر وجدت بعض الأوراق في منزل عالم عراقي، فطبلت وزمرت دون أن تتمكن من إقامة الدليل.

ولما وصلت الصلافة الأميركية منتهاها اضطر الألمان والفرنسيون إلى الاعتراض، فهي لم تقم حجة ولم تثبت دعوى. ولكنها أرادت أن تقفز على ظهر الحليفين «العجوزين»، فدفعتهما دفعا إلى الزاوية الضيقة، فاضطرا مرة أخرى إلى التصريح بالمعارضة في مجلس الأمن. وأمام هذا الواقع لم تجد بدا من القفز على حائط الأمم المتحدة، التي لم تثبت أنها على مستوى المسئولية!

الحرب لم تبدأ يوم الخميس الماضي على العراق، وانما ابتدأت قبل عامين على العالم كله، حين صرح بوش ان «من لم يكن معنا فهو ضدنا». وهنا تكمن المأساة المريعة التي تنتظر العالم كله، وليس منطقة الشرق الأوسط وحدها. وبمثل ما سارت السياسة الأميركية على طريق الأكاذيب من البداية طوال العامين الماضيين، فإنها أكثر وفاء لهذه السياسة مع انطلاق الحرب الظالمة على العراق، وهو ما شهدناه من تضارب الأخبار من البداية، ففي اليوم الأول اعلن الأميركان انهم استولوا على أم قصر، بينما تبين في صبيحة اليوم الثالث ان المعارك مازالت مستمرة فيها. وفيما أعلنوا انهم توغلوا في الأراضي العراقية في اليوم الأول أيضا، تبين أن العراقيين تصدوا لهم بأسلحة بسيطة فلم يتمكنوا من الدخول أكثر من 200 متر في هذه المناطق.

مفهوم جدا ان الحرب لها جانبها الإعلامي الذي لا يقل خطرا عن الأسلحة الفتاكة، ولكن أن تعتمد الأكاذيب منهجا يوميا، فذلك ما لم يسر عليه حتى هتلر في أيام مجد الرايخ الثالث. يبقى ان العالم لم يصدق بوش، ولا تشيني، ولا رامسفيلد، ولا رايس، في كل ما قالوه. فالحرب كانت لعبة مكشوفة من البداية: انها من أجل النفط، فمنذ متى كانت أميركا المتعجرفة وبريطانيا العجوز تفكران في بث الديمقراطية وتحرير الشعوب؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 199 - الأحد 23 مارس 2003م الموافق 19 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً