العدد 197 - الجمعة 21 مارس 2003م الموافق 17 محرم 1424هـ

كتلة من الشر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هناك أكثر من سؤال يتعلق بتكتيكات الحرب الأميركية (المدعومة بريطانيا) على العراق. الأسئلة العسكرية ليست مهمة ويمكن قراءة نتائجها على الأرض. المهم الأسئلة السياسية ومعنى الحرب وهل كان يجب أن تحصل أصلا؟

أقاويل كثيرة تطلق في هذا السياق أولها أن الادارة الأميركية نفسها غير متفقة على الذهاب اليها من دون قرار دولي ومشاركة أعضاء مجلس الأمن. حتى والد جورج بوش نصح ابنه بعدم الانفراد في قرار الحرب، وتحمل تبعاته السياسية وتداعياته الدولية.

نصف الادارة طالبت بتأجيل الحملة العسكرية وعدم دفع العلاقات الدولية الى مرحلة التأزم. فما الفائدة من ربح العراق وخسارة العالم، وما الفائدة من الانتصار العسكري في محيط سياسي يرى في الهجوم خطوة أولى نحو سلسلة انقلابات تطيح بالتوازنات الاقليمية والاستقرار القائم لمصلحة ادارة واشنطن وسياساتها.

هناك الكثير من الأقاويل تطلق على أكثر من صعيد وهي في مجموع عناصرها تدل على وجود تحالفات داخلية نسجت شبكة من مراكز القوى تضغط على صاحب القرار الأول في البيت الأبيض.

وهناك الكثير من الكلام عن وجود مجموعة شريرة في وزارة الدفاع ترى ان القوة العسكرية هي المدخل الوحيد للتغيير وان هناك فرصة للولايات المتحدة لفرض شروطها على العالم من دون مقاومة أو مواجهة.

هذه المجموعة تراهن على انعدام توازن القوى. روسيا ضعيفة عسكريا وغير قادرة سياسيا على تشكيل محور عنده القابلية على الاستمرار أو المصادمة. أوروبا لاتزال مفككة تبحث عن هوية موحدة قادرة على جذب أطرافها وشدها الى مركز قيادي يستطيع الوقوف في وجه القوة الأميركية.

يقال أن هذه المجموعة الشريرة التي تشكل وعيها السياسي في فترة الرئيس السابق رونالد ريغان (1980 - 1988) تنظر الى العالم بعقلية «الحرب الباردة» وضمن أفق ايديولوجي يقسم العالم الى خير وشر. وأن «امبراطورية الشر» التي كانت موجودة في عهد ريغان (يقصد بها الاتحاد السوفياتي) تفككت الى مجموعة دول شريرة يمكن في أية لحظة أن تتعاون وتشكل ما يمكن تسميته بـ «محور الشر».

هذه المجموعة مؤلفة من كبار الأكاديميين عملت سابقا في مراكز البحوث وانتقلت الى ادارة «البيت الأبيض» في فترات متقطعة. وحاولت هذه المجموعة تمرير أفكارها واستراتيجيتها في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون وفشلت. وبعد مغادرة كلينتون الرئاسة انتقلت الى المراهنة على الرئيس الحالي مستفيدة من قلة وعيه وضعف معلوماته وسذاجته. واستخدمت هذه المجموعة تداعيات ضربة 11 سبتمبر/أيلول لتحول أفكارها الى استراتيجية أميركية هجومية على العالم وبالضد من كل القوى حتى لوكانت متفهمة وحليفة للطموحات «الشيطانية» التي تؤمن بها هذه المجموعة من الأشرار (المحافظون الجدد).

المسألة اذن خطيرة جدا ولا تتعلق بحدود معينة في «الشرق الأوسط» بل أنها تبدأ من العراق وتمتد كبقعة الزيت (القابل للاشتعال) في محيط دول الجوار... ومن دول الجوار الى غيرها من الدول المحيطة بالمنطقة العربية والدول الاسلامية.

تسيطر على عقل هذه المجموعة الشريرة (المحافظون الجدد) سياسة السيطرة الدولية أو وهم محاربة العالم لاعادة تشكيله من جديد. حلم السيطرة على العالم الذي يسيطر على عقل هذه المجموعة الشريرة يراهن على العامل الاسرائيلي في «الشرق الأوسط» ويقود سلسلة تحالفات داخلية في الكونغرس مع «أنصار اسرائيل» لدفع المنطقة نحو مزيد من التوتر والاضطراب والاستقرار تحت سلسلة شعارات ايديولوجية (شديدة التخلف) ضد العرب والمسلمين.

هذه المجموعة الشريرة شديدة التخلف أيديولوجيا وهي على عكس ما يقال ويشاع عنها أنها تريد نشر الديمقراطية في المنطقة. مجموعة الشياطين هذه لا تؤمن أصلا بالديمقراطية والعدالة والسلم الدولي والشرعية الدولية.

تؤمن فقط بالسيطرة وتحلم بأنها تستطيع عن طريق القوة العسكرية اختصار الزمن وتغيير العالم واعادة تشكيله على «صورتها ومثالها».

تنطلق هذه المجموعة من نصوص ايديولوجية (مسيحية أصولية) تؤمن بمعركة الخير والشر وبناء الهيكل وهدم كل الرموز والشعائر التي تقاوم هذا الاتجاه. وتؤمن المجموعة بنفسها وترى أنه تم اختيارها لقيادة العالم وهي تحمل رسالة كونية تريد انفاذها تلبية لمشيئة عليا. ويقال أن هذه المجموعة نجحت في السيطرة على عقل الرئيس الأميركي (الساذج والبسيط) وأقنعته بأنه هو «الرجل المختار» الذي عليه قيادة العالم وتحويله من معسكر الشر إلى معسكر الخير. وأن التغيير لا يتم إلا بولادة قيصرية وبعد عمليات جراحية قاسية ومؤلمة... وبعدها تأتي الولادة.

هذه المجموعة تؤمن بالقوة والعنف وأن التغيير لا يأتي من دون أوجاع وضحايا. هؤلاء الأشرار يبررون القتل لأسباب ايديولوجية ولدوافع خلقية تستند الى نصوص قطعية ترى في نفسها «قوى مختارة» ولها الحق لأن تفعل ما تشاء ما دامت تلبي نداء الواجب من أجل صنع عالم مثالي يكون على صورتها.

صنع العالم بالقوة... وضد الطبيعة البشرية والزمن والتاريخ الانساني. هذا ما تقول به هذه المجموعة الشريرة ويبدو أنها نجحت في اقناع رئيس أقوى دولة في العالم بنصوصها الايديولوجية «الأصولية» المتطرفة. وترى أن لحظتها جاءت وعليها ألا تفوت الفرصة التاريخية.

هذا النوع من التفكير لا يبشّر بالخير. وكل التوقعات عن احتمال تغيير «الشرق الأوسط» نحو الأفضل تبدو غير منطقية بوجود كتلة من الأشرار تسيطر على البيت الأبيض وتفكر باسلوب منهجي خرافي وبعيد عن المنطق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 197 - الجمعة 21 مارس 2003م الموافق 17 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً