العدد 195 - الأربعاء 19 مارس 2003م الموافق 15 محرم 1424هـ

لحظة انتظار الحرب الحرجة في بغداد

كانت ليلة أمس الأول ليلة عصيبة تمر ساعاتها بطيئة. غادر المفتشون مبكرا المدينة (بغداد). عيّن صدام نجله قصي لقيادة الدفاع عن مدينة الخلفاء ضد الغزو الأميركي. ومع ذلك مازال المدافعون عن المدينة في نادي القوات المسلحة يلعبون كرة القدم. ويهيئ التلفزيون العراقي سكان بغداد للقذائف المقبلة مع موسيقى من المجالد (المقاتل حتى الموت). ولكن مضى العراقيون في تصريف شئونهم. ومع مغادرة المفتشين لا يوجد شيء يوقف القوات الجوية الأميركية والبريطانية من امطار المدن العراقية بقنابلها المدمرة.

إذا هل أصبحت بغداد ستالينغراد، كما أخبرنا عنها صدام؟ لا تبدو كذلك. الطرقات خاوية، نقاط التفتيش غير مراقبة، يتسكع الجند خارج رئاسة الأمم المتحدة بسجائرهم. ومن شاطئ نهر دجلة شاهدتُ صبيانا يلقون شباكهم بحثا عن سمك «المسقوف» الذي يحب البغداديون تناوله بعد مغيب الشمس. في هذه اللحظة تم سحب قرار مجلس الأمن، دعا بلير إلى جلسة طارئة لمجلس الوزراء. خاطب الرئيس بوش الشعب الأميركي. بغداد، تبدو مترنحة إلى حقبة أخرى من التاريخ.

ولدهشتي أن أجد صفا من العراقيين المنتظرين خارج سينما «سندباد» على طريق صدام، وذلك من أجل مشاهدة فيلم مصري تعرض ملصقاته صورة مكبرة لبطلته. عندما تتحدث لأي عراقي يخبرك أنهم يوقرون صدام توقيرا كثيرا. لكن كان لزاما عليهم ذلك، أليس كذلك؟ فقد سمعنا بهذا التعظيم منذ أكثر من عقدين.

من جانب آخر تخبرنا صحف البعث المحلية عن مسيرات سلمية ومظاهرات تضامنية حول العالم وكأن جورج بوش سيقوم بسحب رجاله البالغ عددهم ربع مليون من المنطقة، لأن الأردنيين مثلا حرقوا العلم الأميركي أخيرا.

كانت رسالة الصحف العراقية غير عادية تماما وكأننا نتنفس هنا في بغداد نوعا مختلفا من الهواء، وكأننا نعيش على كوكب بعيدا عن متناول طائرات بي-52 وطائرات التسلل وصواريخ كروز وأم القنابل التي ستجعل حالا الأرض ترتعد تحت أرجلنا.

ويبدو أن التاريخ العربي والثقافة في العالم العربي سيغشاها بركان من صنع غربي لا مثيل له من قبل، حتى بالمقارنة مع كارثة الحرب العالمية الأولى وسقوط الامبراطورية العثمانية نفسها.

وفي ناحية أخرى وقفت مجموعة من «ناشطي السلام» الأجانب متشابكة الأيادي على طول حاجز جسر بغداد، تضم رجالا كبارا ومسلمين أميركيين، شبابا وبوذيين، وقد التفوا بشالات الصلاة، ويبتسمون للمواصلات المارة بالقرب منهم، بينما يتجاهلهم كثير من العراقيين أصحاب المركبات وكأن العراقيين ليسوا معنيين بهذه التظاهرة أكثر من الأجانب، وكأن سنوات المعاناة جعلتهم راضين بالحقيقة المرعبة الجاثمة على رؤوسهم.

وبعد لحظات جاء المزيد من الأخبار من مجلس قيادة الثورة. كان قراره الأخير الذي وقعه صدام حسين ينص على تعيين الجنرال علي حسن المجيد قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية التي تتضمن البصرة، الهدف الأول للغزو الأميركي. ومعروف أن الجنرال علي حسن يعرف «بعلي الكيماوي» لإشرافه على الهجوم بالغاز على الأكراد في حلبجة. إذا ماذا يعني تعيينه في هذه المنطقة؟ أترك الإجابة للقارئ!

ثم ذهبت إلى النصب العظيم الذي وضعه صدام تخليدا لنصف مليون عراقي لقوا حتفهم في حربه ضد إيران 1980 ـ 1988 وقد نقشت حروف من الرخام باسم كل عراقي مفقود. هناك جلس زوجان على حديقة النصب لم يأتيا لتذكر عزيز لديهما. كان التعليق السياسي الوحيد الذي أدليا به لي هو «لقد عاصرنا حروبا في أزمان كثيرة وتعودنا على هذا الوضع».

ولذلك أخذت أفكر قليلا: هل ستصبح بغداد مدينة مفتوحة يتوجه المدافعون عنها نحو الشمال لحماية مسقط رأس صدام، بينما يتوجه سكان المدينة إلى الكشف عن آخر الخطط الموضوعة لغزوهم؟

أعتقد أن كل ما سيحدث يعتمد على الساعات والأيام القليلة المقبلة، ويعتمد أيضا على كم من المدنيين يريد الغزاة الأميركيون والبريطانيون قتلهم في حربهم اللا أخلاقية هذه؟ فهل سيضع العراقيون نصبا آخر لقتلاهم، ام نحن الغربيون الذين سنخلد قتلانا؟

خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 195 - الأربعاء 19 مارس 2003م الموافق 15 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً