العدد 195 - الأربعاء 19 مارس 2003م الموافق 15 محرم 1424هـ

الغزو الأميركي للعراق: عهد جديد من الهيمنة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الانذار الذي اطلقه بوش لصدام بالرحيل أو الحرب دشن بداية لعصر جديد، البعض يطلق عليه عودة الاستعمار والبعض الآخر يراه بداية النهاية للامبراطورية الاميركية التي اخترقت القانون الدولي، وبالتالي فإن عملها سيكون غير شرعي، وان الأمم المتحدة لا معنى لوجودها.

العالم بأسره يقف عاجزا عن عقلنة الاتجاه الاميركي الذي قرر السير قدما بمشروعه لاحتلال العراق واقامة حكم عسكري اميركي، ربما يتحول بعد ذلك إلى حكومة من أطراف ترضى عنها اميركا (بعد سنوات)، ولكن بشروط لا يعلم احد ابعاد تلك الشروط وأثرها على الشرق الاوسط والعالم.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والشرق الاوسط لم يستقر لانه صمم من قبل بريطانيا وفرنسا على أسس خارجة عن إرادة الأمة. وزرعت تلك الدول في فلسطين دولة لليهود (تعتمد العنصرية اساسا للحكم)، وشكلت تلك الاوضاع سياسة غير قابلة للتطوير أو التحرر.

ونعود مرة اخرى، وبعد مئة عام على ما قامت به بريطانيا وفرنسا، لنشهد اعداد تصميم آخر للشرق الاوسط بتنفيذ مباشر من القوات الاميركية التي نزلت إلى منطقتنا بعساكرها وقدراتها التكنولوجية التي لا تتوافر لاية قوة اخرى في العالم.

الحرب الاميركية ليست تحديا للعرب والمسلمين فقط ففي هذه المرة يقف العالم كله في جانب، واميركا في الجانب الآخر. وحتى الدول التي أعلنت مساندتها لاميركا فإنها غير ذات أهمية إلى الدرجة التي قال فيها المسئولون الاميركان إنهم قرروا الحرب سواء كانت بريطانيا (الحليفة الرئيسية) معهم أم لم تكن، وسواء عارضت فرنسا وروسيا والمانيا والصين أم لم تعارض، وسواء صدر قرار من مجلس الأمن أم لم يصدر...

الشعوب العربية والاسلامية لم يكن لديها خلال الأعوام المئة سوى نفسها بعد ان تم تهميشها محليا واقليميا ودوليا، ولا يتوقع اي عاقل من أمة مهمشة ان تستطيع فعل شيء، اللهم إلا المظاهرات واطلاق الشعارات والسفر إلى العراق لاعلان التضامن المعنوي مع الشعب العراقي الذي طحنته الحروب وحولته من اقوى دولة عربية استراتيجيا إلى شعب فقير يحتاج إلى الاكل والعلاج...

الحرب تنطلق مستخدمة اكثر من ربع مليون عسكري تحت اشراف القيادة المركزية التي انتقلت إلى الدوحة، والحرب ستركز على مفاصل القوى العسكرية العراقية (أو ما تبقى منها) على أمل ان يحدث انهيار في النظام العراقي وتتسلم القوات الاميركية الحكم هناك.

غير اننا في البحرين نعيش اجواء مشابهة للأجواء التي يعيشها العرب والمسلمون في بلدانهم. ماذا عسانا ان نفعل كي نؤثر في مجرى الحوادث؟ وهل لدينا غير الهتاف والمظاهرات وغيرها من الانشطة التي نعلم انها لا تؤثر على القرار الاميركي؟

الشعور بالعجز ليس نتيجة هذه الفترة بالذات، فإننا على المستوى الاستراتيجي - كأمة عربية واسلامية - ليس لنا وزن دولي، وأمننا الداخلي تشوبه علاقة سيئة بين الحاكم والمحكوم (في غالب البلدان العربية والإسلامية)، وعلاقات دولنا المجاورة غير مستقرة، بل ان الوجود الاميركي هو الذي منع انفجار خلافات هنا وهناك. وهذه حقيقة مرة نعلمها جميعا، ولسنا هنا لالقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك، ولكننا وصلنا إلى مرحلة العجز العام بسبب تراكم السياسات الخاطئة في بلداننا لمئة سنة على الاقل. وهكذا نشهد غزو واحد من أهم بلداننا العربية والاسلامية، في الوقت الذي يستمر فيه الجرح الفلسطيني في النزيف، ونتحول إلى مجتمعات تطبق علينا اشرس الشروط وأذلها، واصبحنا مشتبها بهم في أوروبا وأميركا، ووصل الامر إلى ان ترفض مؤسسة طبية اميركية استقبال بحريني وإماراتي بعد ان قبلتهما للتدريب هناك. وكان العذر الذي تسلمه الاثنان هو ان الاجراءات الاميركية الاخيرة تتطلب منع العرب من التدريب في عدد من المجالات المهمة. وقريبا ربما يمنع اي شخص يحمل اسما عربيا أو إسلاميا من الوصول إلى أي موقع له أهمية في عالم اليوم.

ويعزز التشاؤم لدى كثير من الناس القرارات الاميركية المتتالية التي تتحدث عن اصدار أمر باعتقال كل عربي ومسلم يتقدم باللجوء إلى الولايات المتحدة، مهما كانت قضية ذلك الشخص، والقرارات المتتالية التي تتعامل مع كل عربي ومسلم على اساس الاشتباه، وبالتالي فإن عليه ان يقدم بصماته وصوره، ويخضع للتحقيق لكي يبعد عن نفسه الشبهة.

اميركا تغزو العراق وستنصب بعض العراقيين لاحقا في سدة الحكم، وهؤلاء العراقيون تم جمعهم من شتات الهجرة بعد ان نسي أكثرهم العراق وما يجري لأهل العراق. وليست هناك تجربة ديمقراطية عراقية في المهجر يمكن الاعتماد عليها أنموذجا للمستقبل العراقي؟

والعراق تحت الحكم الاميركي المباشر هو ربما الحل الذي يتبناه عدد من الدوائر الاميركية لوقف الاوضاع الداخلية من الاتجاه إلى الحرب الاهلية والحروب الانفصالية. والعراقيون الذين فكك حزب البعث كل امكاناتهم التنظيمية وهدم علاقاتهم المتبادلة على اساس طوعي لن يكونوا في حال جيد وهم يواجهون التفكير المتناقض. فهم ضد الدكتاتورية ولكن كيف سيقبلون بحكم اميركي مباشر أو غير مباشر، وفي الوقت ذاته يعلمون ان العراق من دون حكومة مدعومة عسكريا لن يستقر بعد عقود من السياسة المرتبطة بنظام حكم تسيطر عليه اجهزة عسكرية واستخبارية وحزبية وقبلية وطائفية. فالعراق الذي كان في الماضي رائدا في مجالات الفكر والسياسة يعيش اليوم من دون فكرة واضحة ومن دون سياسة حسنة. والاميركان ليسوا مؤهلين لطرح افكار واضحة أو سياسة ديمقراطية مستقلة في العراق، لأن كل ذلك يتعارض مع مصالحهم ويناقض ما قاموا به ليس فقط في هذه الفترة، وانما في كل الفترات الماضية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 195 - الأربعاء 19 مارس 2003م الموافق 15 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً