ان المبادرة الاماراتية تعد حلا ذكيا ومنطقيا في ايقاف العدوان الاميركي الوشيك على العراق وهي ليست خدم
والشعب العراقي الذي عانى في العقود الماضية من ويلات الحروب المدمرة وما افرزته من آثار سيئة عليه وما تعرض له من قمع واستبداد وقتل من قبل النظام الحاكم نفسه وما واجهه في الحصار الدولي المفروض عليه من فقر وجوع وحرمان وموت وأمراض مسرية سيصبح بعد هذه المبادرة في مأمن من كل ذلك لتوضع نهاية لآلامه ومعاناته ليبدأ من جديد في بناء دولته ومؤسساته الدستورية بعيدا عن تدخل القوى الاجنبية. وبغير هذه المبادرة سيتعرض لمزيد من الخراب والدمار والمآسي الانسانية التي لا يمكن التكهن بمداها او وضع وقت لنهايتها.
وأما المنطقة شاءت ام ابت فستصلها امواج هذه الحرب المجنونة لتطول امنها واستقرارها واقتصادها ولن يكون بعضها قادرا - طوعا او كرها - على منع الاميركان من استغلال اراضيه او التحليق فوق اجواء بلاده لأن مفعول الآلة العسكرية الطائشة سيكون اقوى من مفعول كلمات القمم الصورية عربية كانت ام غير منحازة. لكن بهذه المبادرة سيتحقق الامن والاستقرار ويسود جو التفاهم والتعاون في المنطقة وتنتهي الازمة المستعصية الموصوفة بالحالة الكويتية العراقية والتي لا حل لها بل لا أمل لاستقرار الكويت المضطربة منذ غزوها إلا بتنحي صدام حسين عن الحكم او بإسقاطه من هنا نفسر ترحيب واستقبال الكويت للجيوش الاميركية والبريطانية وقبولها تحويل ارضها إلى قاعدة انطلاق رئيسية في الحرب على رغم المخاطر المحيطة بها، لكنها مغامرة ترى الكويت ألا مفر منها إذا ارادت ان تحافظ على وجودها وبقائها.
وأما الدول العربية التي لم تجرؤ على مناقشة قضية التصدي للعدوان الاميركي البريطاني بعد احتلال العراق ولا ناقشت الخطط والوسائل والامكانات المتاحة لردع العدوان قبل وقوعه، اكتفت ببيان ختامي ومجموعة قرارات تنصب جميعها في مجرى واحد مقصده تسجيل موقف سياسي لا اكثر امام الرأي العام الدولي الذي سبقها الى تسجيل ذلك الموقف وامام الملايين من المتظاهرين العرب والمسلمين من الشعوب المغلوبة على امرها. ولكن مع ذلك فإن الموقف العربي المشترك وهو في حده الادنى لن يلبث ان ينهار ويتلاشى مع حلول الساعة الاولى للضربة المتوقعة ولن يلتزم بقراراته كثير من الموقعين، ذلك لأننا منذ زمن بعيد اعتدنا ان نختار الحلول المصبوبة في قوالب الكلمات والشعارات بدلا من الحلول الجدية المنسجمة مع الواقع على الارض.
من هنا تأتي المبادرة لتحافظ على وحدة جامعة الدول العربية وصدقيتها وتحافظ ايضا على حفظ ماء وجوه القادة العرب المطالبين قبل غيرهم بتسجيل مواقف ميدانية بدلا من مواقف بيانية. وأما المجتمع الدولي الذي يسعى العقلاء فيه الى حل الازمة بصورة سلمية وانسانية فسيكون عاجزا بعد اندلاع الحرب عن ايقاف امبريالية القطب الواحد امام احتلال البلدان الاضعف واحتلالها بحجج مختلقة ومختلفة وتكون سابقة خطيرة تنذر بنهاية حتمية لهيئة الامم المتحدة التي لن يلتزم احد بقراراتها لأنها حبر على ورق ولن يؤمن بها او يطبقها اي من الاعضاء نظرا إلى تصرف الدول الكبرى القوية بصورة انفرادية وفقا لما تقتضيه مصالحها واستراتيجيتها الخاصة بها. وهذا ما يخيف بعض الدول الكبرى الاخرى كفرنسا والمانيا وروسيا التي ادركت بأن دور مجلس الامن في معرض الخطر وربما ينتهي باحتلال العراق، بل ربما تتكرر العملية مع بلدان اخرى دونما الحاجة الى مرجع دولي متفق عليه لأن الاقوى هو الذي يقرر ويعمل على رسم المصير. وأما الرئيس العراقي صدام حسين فلم يتعظ بحربه التي شنها على ايران واستمرت ثماني سنوات. لم يتعظ بعد ان خرج منها خاسرا مخلفا وراءه مئات الآلاف من القتلى واقتصادا منهكا ودمارا هائلا لحق ببلدين مسلمين جارين. لم يتعظ من كل ذلك بل كرر خطأه مرة اخرى واحتل الكويت زاعما انها جزء لا يتجزأ من اراضي العراق! ولما طولب من قبل المجتمع الدولي بالانسحاب رفض ذلك ولم يمتثل الى قرارات مجلس الامن وبقي على غيه وعناده الى ان اخرجه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية عن طريق استعمال القوة مخلفا وراءه وأمامه دمارا عظيما في قواته وامكانات بلاده فضلا عن الدمار الذي ألحقه بجارته الكويت التي وقفت معه في حربه ضد إيران وبذلت له الإمكانات المالية والجغرافية والاعلامية والسياسية فكافأها بالغدر والعدوان!
واذا ما عطفنا على ذلك استعمال العراق للاسلحة المحظورة دوليا كالاسلحة الكيماوية والبيولوجية في حربه ضد ايران وسقوط الآلاف من العراقيين الابرياء صرعى في حلبجة إذ هلك الشيوخ والنساء والاطفال والدواب، فإن صدام سيلاحق باعتباره مجرم حرب ويحاكم إما في العراق بعد القـبض عليه أو في احدى المحاكم الدولية، لكنه اذا وافق على هذه المبادرة فسينجو بنفسه مع عائلته وتكون فرصته الوحيدة السانحة له لأنها تتضمن ضمانات بعدم التعرض له. من هنا فإن المبادرة الاماراتية تضمن لصدام النجاة من الشر الاميركي المحدق به لأن الحرب المقبلة لن تكون كسابقتها حرب تحرير، بل حرب تدمير يكون المستهدف فيها اولا شخص الرئيس العراقي. فإذا اصغى صدام حسين لنداء العقل واتعظ بما مضى من تجارب فإن الاولى به ان يضحي لشعبه بل ان يضحي بشعبه وينقذ نفسه وشعبه ووطنه وقوميته والمجتمع الدولي بأسره ويستجيب إلى هذه المبادرة الانسانية قبل فوات الاوان
العدد 193 - الإثنين 17 مارس 2003م الموافق 13 محرم 1424هـ