في حال وقعت الحرب الأميركية على العراق، وهو الاحتمال المرجح، ما هي القوى الأكثر تضررا في تلك العملية العسكرية التي يقال إن «الدمار الشامل» هو من شروط نجاحها السريع؟
هناك الكثير من المتضررين إلا أن الشعب العراقي هو على رأس اللائحة. فالمعلومات التي تسربت مع سيناريوهات الهجوم تقول إن حجم الضحايا سيكون مرتفعا، وتصل الأرقام المتواضعة إلى حدود 200 ـ 300 ألف وأحيانا يرتفع الرقم إلى حدود لا يمكن تصورها في حال اضطرت القوات الأميركية إلى استخدام أسلحة فتاكة (قنبلة الأطنان العشرة مثلا)، أو سلاح الدمار الشامل (قنابل اليورانيوم) لضرب الملاجئ والتحصينات. فالشعب العراقي هو ميدان المعركة وساحة الهجوم، والإدارة الأميركية بعد انكشاف أمرها غير مستعدة للتضحية بسمعتها السياسية وهيبتها الدولية من أجل تقليل الخسائر المدنية وإطالة المعركة.
فالحرب تريدها إدارة بوش سريعة وحاسمة ولن يقبل أشرار الحزب الجمهوري بأقل من الانتصار الكاسح والشامل.
وهذا لا يتم ـ برأيهم ـ إلا بتغيير النظام والاستيلاء على بغداد. وبقدر ما كبرت الأهداف زادت أرقام القتلى والضحايا المدنية.
الشعب العراقي هو المتضرر الأول وإعادة الإعمار والترميم ستأخذ وقتها وسيحتاج العراق إلى فترة زمنية طويلة حتى ينسى قتلاه وضحاياه ليستمر من جديد في حياة كريمة وعادلة.
فالدمار سيخلق ثغرات إنسانية وفجوات في سلسلة الأجيال العراقية بين الأجداد والآباء والأحفاد.
المتضرر الثاني هو المعارضة العراقية. فالمعارضة السياسية ستعود إلى وطن ممزق ومنهار وستحكم وسط أشلاء مجتمع بعثرته الحروب إلى تكتلات تنقصها مقومات الحياة وتسيطر عليها أجواء عدم الثقة بقيادة باعت الغالي والرخيص من أجل حفنة من الكراسي. أجواء عدم الثقة ستعطي فرصة قوية للولايات المتحدة لإعادة إنتاج قيادة سياسية بديلة ومخلصة للاستراتيجية الأميركية. وهذا لا يتم من دون سلسلة تصفيات واغتيالات تقوم بها «جهات مجهولة» حتى تستقر الأمور وتتصفى كل الشوائب المزعجة للهيمنة الأميركية، وتبقى السلطة الحقيقية لنواة عراقية شديدة الإخلاص لواشنطن ومرتبطة مباشرة بإشاراتها وتوجيهاتها.
الكويت هي المتضرر الثالث من الحرب. فبعد استيلاء الولايات المتحدة على العراق ستتغير علاقات واشنطن مع الكويت تبعا لتغير الظروف والمواقع والأدوار. إدارة البيت الأبيض بحاجة الآن إلى الكويت باعتبارها جبهة أمامية للهجوم على جنوب العراق. وبعد الاستيلاء ستتراجع الحاجة الأميركية وستتحول الكويت إلى جبهة خلفية تلحق بالإدارة السياسية الجديدة في بغداد. ومن مصلحة أميركا بعد سقوط العراق أن توحد إداراتها في قيادة مركزية عليا تشرف على إعادة الإعمار وتصريف الأعمال. وهذا لا يتم من دون تجديد السيطرة على منابع النفط وتحديدا تلك التي تقع على الحدود الكويتية ـ العراقية المشتركة.
ويرجح في هذا السياق أن تلجأ واشنطن إلى إلحاق الكويت إداريا بالعراق حتى تسهل عملية إدارة 40 في المئة من احتياطات النفط المكتشفة في العالم.
المتضرر الرابع من الحرب على العراق هي دول الجوار الجغرافي ـ السياسي على اختلافها (الصديقة والعدوة). فالحرب ستنتج آلياتها الجديدة التي لن تكون بالضرورة متشابهة سياسيا مع فترة ما قبل الهجوم العسكري. وما تقوله الإدارة الأميركية الآن لن تكرر قوله بعد الحرب. فهناك الكثير من الكلام الجديد والمختلف عن ذاك. حتى تلك الوعود التي أطلقها بوش عشية الحرب من نوع الوعد بدولة فلسطينية في العام 2005، أو وعده تركيا بتعويضات مالية تصل إلى 15 مليار دولار، أو أمره برفع الحظر الاقتصادي عن باكستان، وغيرها من إغراءات أطلقها سرا وعلنا لبعض الدول العربية والآسيوية والإفريقية واللاتينية لكسب أصواتها أو شراء سكوتها، فإن الآليات السياسية الجديدة المتوقع ظهورها على السطح بعد انتهاء عمليات الحرب ستفرض على الإدارة الأميركية (الحالية والمقبلة) انتهاج خطوات مغايرة أو على الأقل ليست بالضرورة متطابقة مع مرحلة ما قبل الحرب. فلكل فترة رجالها وكلامها. وأميركا بعد الاستيلاء على العراق ستعيد النظر في الكثير من الحسابات وخصوصا إذا نجحت في تنظيم سيطرتها وتأمين كتلة عراقية تقوم بمهمة القائم بأعمال المصالح الأميركية. الوكالة العراقية بعد الحرب ستحظى بثقة إدارة واشنطن وستكلف بمهمات اقليمية لن تكون مريحة لمختلف دول الجوار.
هذه الاحتمالات مرجحة لأميركا في حال غاب العامل الإسرائيلي عن المسرح السياسي الاقليمي. فكل هذه الاحتمالات مرجحة في حال اعتمدت إدارة بوش «النيات الحسنة» وضغطت على حليفها شارون ومنعته من استغلال الفراغ الأمني وسدت عليه طرق الاستفادة من الهجوم الأميركي بشن هجوم آخر تحت المظلة الأميركية ضد لبنان وسورية وبقايا السلطة الفلسطينية. فهذا إذا حصل، وهو أمرٌ غير مستبعد، تكون المنطقة دخلت كلها في السيناريو الأسوأ. والأسوأ هو من الصعب الآن تحديد عناصره قبل تعريف عوامله وعناوينه. وهذه مسألة أخرى
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 193 - الإثنين 17 مارس 2003م الموافق 13 محرم 1424هـ