العدد 193 - الإثنين 17 مارس 2003م الموافق 13 محرم 1424هـ

الطائفية... اتركوها إنها نتنة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لعل بعض المفكرين العلمانيين يفرحون لبعض ما يجري في عدد من البلدان الإسلامية، ومن بينها البحرين. فالتحليل العلماني للتاريخ الإسلامي يعتمد في كثير من جوانبه على نظرة المفكر الألماني ماكس فيبر الذي قال إن المجتمعات الإسلامية عجزت عن توليد مؤسسات ونظم حديثة، لأن القانون اعتمد على «حكم القاضي» واعتمدت التنظيمات المجتمعية على توزيع قبلي وطائفي.

ولذلك فإن الحديث كان يكثر في التاريخ عن وجود مثلا «نقيب الطالبيين» بمعنى زعيم آل طالب، و«رئيس القبيلة»، و«زعيم الطائفة»، وكل هذه التقسيمات تمنع نشوء مؤسسات حديثة قائمة على أسس غير قبلية وغير طائفية...

من الناحية النظرية فإن الإسلام ضد التحزب على أسس تقضي على جوهر الدين، ولذلك فإن التوجيه الإسلامي شدد على عدم الافتخار بالانتماء القبلي، ولكن بات يعتقد المرء أن «شرار قومه خير من خيار قوم آخرين».

والإسلام دعا إلى التناصر في سبيل الحق والعدالة والإحسان على أساس تقوى (الخوف من الله تعالى).

أما من الناحية العملية، فقد تسربت إلى الجسد الإسلامي ممارسات غير إسلامية وغير حضارية، ولبست لباس القبيلة والطائفة. وهذا أدى إلى حدوث شروخ في المجتمع توازي الشروخ التي يحدثها الفساد الإداري. وهذا ما نشاهده مثلا في حال الصيادين البحرينيين. فالبحرينيون ـ من هذا النوع ـ تجمعوا في جمعية الصيادين، أما البحرينيون من ذلك النوع فتجمعوا في نقابة الصيادين.

هذا التفرق أرجعه البعض إلى نوع من الطائفية على رغم انه يتضمن أبعادا أكثر عمقا تتعلق بالثروة والنفوذ ونوع المهنة داخل هذا القطاع. إذ ان الجمعية تضم في الغالب «كبار» المستثمرين في قطاع الصيادين، بينما تمثل النقابة الأقل حظا في هذا القطاع. ربما ان تاريخ البحرين شهد تمحورا في بعض فتراته على أساس مذهبي، فيخطر في ذهن المراقب الخارجي وكأن الجمعية تمثل بحرينيين سنة، بينما تمثل النقابة بحرينيين شيعة. وعلى رغم إصرار المكلفين على الأمر ان هذا هو ظاهر الأمر، وان الأسباب الاقتصادية والاجتماعية لها دور أكبر في تحديد العضوية، إلا ان المشكلة الطائفية تبقى عالقة في الأذهان وتطل برأسها على الساحة العامة.

فالجمعية والنقابة ينشران أخبارهما بطرق معينة، ربما يفهم منها توجه طائفي، ويعززان بذلك بعض الأفكار الرجعية عن العمل الوطني.

والطائفية لا تلقي بظلالها على الصيادين فقط، وإنما أيضا على العمل الطلابي، إذ أن أحد أهم اسباب فشل قيام اتحاد طلابي ليس فقط عدم تعاون وزارة التربية في ذلك، ولكن أيضا عدم وجود قاعدة وطنية متوحدة حول هذا الأمر. والمحاولات الأولى لتأسيس اتحاد الطلبة البحرينيين تعرض لاتهامات طائفية على رغم اصرار الطلاب على وطنيتهم.

وهكذا الحال مع عدد من الجمعيات والمؤسسات مثل جمعية المعلمين والجامعيين والأكاديميين وغيرهم، إذ ان الاتهام الذي يوجه ضد مجموعة متحركة تحت عنوان وطني عام هي انها تمثل فئة واحدة من المجتمع.

الطائفية آفة مثل آفة الفساد الإداري، ولا يمكن لأي مجتمع أن يتحرك إلى الأمام، لأن الانتماءات الطائفية والدينية والقبلية تدفع الإنسان للتحرك على أساس معطيات ليست بيد المرء (مثل المولد) وتتحرك إلى الوراء لاجترار الماضي، لأن الماضي يصبح هو المستقبل لهذه الانتماءات، هذا لا يعني ان الإنسان يلغي انتماءاته الاثنية والقبلية والمذهبية، ولكن يعني ان الإنسان الذي يغلّب هذه الانتماءات على الشأن العام فإنه يقع ضحية الماضي ويكرر أخطاء الماضي الذي يصبح مقدسا لأنه يعطي التعريف الأسمى لوجود هذا الإنسان أو ذاك.

الإصلاحات السياسية لا يمكنها ان تتقدم إلا إذا أحدثنا نقلة نوعية في ثقافتنا العملية (وليست النظرية) من خلال خلق المؤسسات المشتركة القائمة على المواطنة والكفاءة. فالصياد صياد والمحامي محام والمهندس مهندس والجامعي جامعي والموظف موظف، ويجب أن يعامل كل شخص على أسس متساوية من دون النظر إلى الاعتبارات التي تفرق أبناء المجتمع الواحد.

إن التغيير المطلوب يجب أن يأخذ اتجاهين: الاتجاه الأول من السلطة والقيادات الإدارية في البلاد لتأكيد مبدأ المساواة في التعامل مع الشأن العام، ومع التوظيف، ومع تخصيص الموازنات لهذا الأمر أو ذاك، إلخ... والاتجاه الثاني من الأسفل، من الناس الذين يجب أن يغيروا ما بأنفسهم لكي يغير الله أحوالهم الخارجية. فإن لم يتغير الداخل فإن الخارج يبقى مظهرا غير معبر عن واقع الأمر.

الثقافة التي يلزمنا اتباعها تتطلب الجرأة والشجاعة وتتطلب النفس الكريمة وتتطلب التسامح. أما الثقافة الطائفية فهي ثقافة الخائفين الجبناء الذين يخشون على مصالحهم الأنانية ويستعينون بالانتماءات التجزيئية للحصول على تلك المصالح.

الثقافة المتقدمة هي التي ستأخذ بأيدينا إلى الأمان والاستقرار والتنمية مع حفظ الحقوق والحريات العامة. أما الثقافة الرجعية فإنها تضيع علينا فرص الإصلاح المطروحة أمامنا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 193 - الإثنين 17 مارس 2003م الموافق 13 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً