في فيلمه (THE REBEL) إنتاج العام 1960، كان توني هانكوك فنانا متباهيا لا يحمل أي موهبة. فلماذا يتجشم أي شخص العناء لاعادة خلق أعماله الفنية الروائية؟ كيفن جاكسون يحاول شرح هذا الأمر.
باريس، في وقت متأخر من احدى الأمسيات الدافئة منذ أربعين صيفا تقريبا، اكبر حزب للرواد المبدعين في مدينة الرواد المبدعين يمر بأقصى حالات نشاطه، حشد من النوع الخنثوي يحمل على وجهه شعرا غير متناسق يعزف مقطوعة موسيقية على آلة المايتي أورغن القوية ثم يرتدي بعد ذلك معدات التنفس تحت الماء ويتقاعد في قاع حوض أسماك للنوم، أحد الممارسين لرياضة اليوغا يقف على رأسه ليحقق حالا من التنوير ولكنه أيضا نائم، فرقة من الوجوديين الصبيانيين يرتدون جميعهم ملابس سوداء متماثلة ويندبون الاذعان للحياة الحديثة، شاعر هزيل يسرد بعضا من أبيات «دادا» وفي احدى الزوايا رسام انجليزي فوضوي يلقي خطبة عن معتقداته الجمالية، وهو ليس مهتما بالتمثيل البصري فقط بل يقول انه عندما يرسم كرسيا يجب أن يصبح كرسيا. ويستجيب شاب متكبر لخطبته المسهبة العنيفة قائلا: لا أعتقد أني سمعت أبدا عن مثل هذا... (يتوقف هنا، فهو من الواضح كان على وشك أن يقول مثل هذا الهراء)، لكنه يواصل قائلا «مثل هذا التحليل الخارق للفن الحديث».
وأعتقد أن كل معجبي هذا الممثل يعلمون انني اتحدث عن أحد مشاهد فيلم (THE REBEL) الذي قدم في العام (1960)، الفيلم الثاني لطوني هانكوك والأول الذي يقدم فيه على الشاشة الكبيرة بعضا من صفات الشخصية الخالدة التي ابتكرها بالتعاون مع الكاتبين اللامعين راي غالتون وآلان سيمبسون وهي الشخصية الكوميدية الخالدة «انطوني الوسيوس سينت جون هانكوك» التي تتسم بنوع من الحماقة الوهمية والأبهة وسوء الخلق الذي يقطن في 23 ريلواي كتنغز، ايست تشيم. وباستثناء بعض التعقيدات الهزلية، فان الحبكة القصصية في فيلم (The Rebel) بسيطة للغاية. هانكوك، الذي دفع الى الجنون تقريبا بسبب عمله المكتبي الممل، ترك كل شيء وذهب إلى باريس ليستقر هناك كفنان، وقد كان هانكوك لا يحمل اي موهبة ولم تكن لديه سوى ثقته بنفسه، ومع ذلك نجح في ان يصبح بطل جمهور الشاذين كما نجح في ان يحقق نجاحا تجاريا عظيما، والفضل في ذلك يعود الى قضية تشابه هويات. عندما تم عمل الفيلم لم يكن هانكوك دخيلا على النجاح، بل كان أحد أكثر النجوم البريطانيين المحبوبين كما كان أجره الأعلى بين هؤلاء النجوم، وكانت عروضه التلفزيونية وبرامج الراديو التي يقدمها تجتذب عددا هائلا من الجمهور كما ان هذه البرامج جعلت منه الرجل الظريف والمحبوب لدى المثقفين، وخصوصا بعد تعذيبه لنفسه بالموافقة على عمل مقابلة استجوابية وجها لوجه. كما كانت تكتب له نصوص كوميدية خاصة.
ولكن هانكوك لم يكن مكتفيا بهذا النجاح وكان يسعى لتحقيق الشهرة العالمية ما جعله يقوم بتطــوير فيــلم (The Rebel)بشكل دقيق ليجعل من هذا الفيلم بساطا سحريا يطير به الى هوليوود.
لكن هانكوك لم ينجح في ذلك، فعلى رغم أن فيلم (THE REBEL) كان يشكل ضربة كبرى على مستوى الأفلام المحلية فانه لم يعن شيئا للجمهور في الولايات المتحدة إذ تم تغييـــر اسمــه إلى Call Me) (Genius، على رغم قيام هانكوك بحذف عبارات من الحوار الذي وضعه كل من غالتون وسيمبسون يمكن ان تزعج المشاهدين في بيوريا. كما ان النقاد البريطانيين علقوا على أن هانكوك يعتبر فقيرا من دون طاقم الممثلين الذين يدعمونه في العادة، وهم: سبيفي سيد جيمس، وأوفيش بيل كير، وهاتي جاكس اللغوية، والسريالي المخادع كينيث ويليامز. وتنتقل بنا المشاهد الى المستقبل الى ما بعد 42 عاما، الى سبتمبر/أيلول الماضي إذ تجمعت مجموعة من الكتاب والفنانين والأشخاص غير المصنفين البريطانيين وكونوا رابطة تسمى (LONDON INSTITUTE OF PATAPHYSICS) وتكتب اختصارا LIP، وقد بدأت هذه الرابطة أعمالها بحدث خاص للغاية، وهو عرض لكل اللوحات الزيتية المحمولة لأنطوني هانكوك، كما شاهدناها في فيلم (The Rebel) وكذلك منحوتة أفروديت العملاقة وبعض اللوحات الأخرى.
ولكن ما هي فيزياء الباتا؟ بحسب المراجع هناك عدة تعريفات تعتتبر هي الأبسط لهذا المصطلح، وهي ان Pataphysics او فيزياء الباتا هي علم الحلول الخيالية أو انها علم الاستثناءات، أو علم التفصيلات (بعض أنماط العلوم التي تهتم بالقواعد والنظريات العامة والصيغ المطبقة عالميا) أو انها دراسة عدم النفعية وهي الكلمة التي يفضلها علماء فيزياء الباتا على كلمة عدم الجدوى التي تعتبر كلمة مجحفة ومحشوة، بابتذال اكبر نستطيع القول ان فيزياء الباتا هي نوع من الوعي أو طريقة تفكير أو طريقة تصنيف للتلميحات والاثارات والاقتراحات أطلقها العقل الخصب بصورة غير اعتيادية للكاتب الفرنسي الفريد جاري (1873-1907) والمعروف هنا بمؤلف مسرحية (PERE UBU) ومسرحيات أخرى.
وقد كان علم فيزياء الباتا يمر بمرحلة سبات عميق في السنوات ما بين موت جاري المبكر وتأسيس كلية الباتافيزيكس في العام 1948 لحماية وتطوير تراث جاري. وبعد ذلك بوقت قصير أصبحت عضويتها شهيرة، ومن أعضائها الفنانون ماكس ايرنست ومارسيل دوشامب، ورايموند كوينو المثقف المتعدد الثقافات، وكاتب المسرحيات يوجين ايونيسكو، والشعراء كتاب الأغاني بوريس فيان وجاك بريفيرت والكثير من الأشخاص الآخرين الأقل شهرة. وقد مرت الكلية بحال سكون طوعية أو اختفاء في العام 1975 وفي الوقت الذي عادت فيه إلى الظهور وهو العام 2000 تشكلت LIP. وقد أسست معتمدة بشكل كبير على مبادرة صاحبة ملهى ليلي تدعى ريغين دولا هاي والكاتب الناشر والفنان آلاستير بروتشي، ولذلك يمكن لهذه المؤسسة LIP أن تتباهى بنوع مشابه من العضوية ذات الأنواع المختلفة، بسبب أعضائها المشاهير ابتداء من رئيسها المحترم ستانلي شابمان الكاتب والمترجم الى الأعضاء الفخريين السيدين غالتون وسيمبسون (مؤلف هذه المقالة يجب أن يعترف هنا بأنه تابع لهذه المؤسسة وأنه يدفع له أجر أيضا).
وقد وضعت المؤسسة لنفسها عددا من حقول البحث والتطوير التي تعتبر غير مفيدة مثل القيام بتحقيقات عن قسوة الشعر، ووحدات القياس الغريبة، والآلات غير المؤذية والسفر عبر الزمن. وقد تم اقتراح مشروع هانكوك وتنفيذه من قبل لجنة فرعية في المؤسسة تعرف بدائرة علم الآثار البنائي.
وتقوم هذه اللجنة الفرعية التي يطلق عليها DORA اختصارا باعادة تشكيل الاعمال الفنية التي دمرت بشكل ما أو فقدت أو انها ببساطة لم توجد ابدا (علماء فيزياء البارا لا يأبهون نوعا ما بالفرق بين ما هو حقيقي وما هو خيالي) وهكذا فان تناسب مشروع هانكوك مع نظرة هؤلاء العلماء يكمن في ان هذا الوجود من اللوحات الفنية يمكن النظر اليها ببساطة أو ان تلقى عليها نظرة خاطفة لتفصلها كأجزاء على الشاشة قد لا تكون موجودة أصلا. من غير تقليل لقيمة هذا المشروع، فانه ليس سوى محاولة لتحويل وجود خيالي الى واقع. وهكذا فمن البديهي بحسب مشروع DORA ان أنطوني هانكوك كان فنانا حقيقيا، وان ((The Rebel هو توثيق مباشر لهذا الفنان.
وقد تم العمل على هذا المشروع بعناية ودقة كبيرتين، فعلماء الرياضيات في المؤسسة حددوا أبعاد كل لوحة زيتية بدقة، كما قام الملونون بتحديد وخلط ظلال الألوان الصحيحة، وستعرض المجموعة بكاملها للبيع كوحدة واحدة بما في ذلك توثيق لعملية اعادة عملها، بمبلغ 50,000 جنيه استرليني بالضبط - وقد قام قبل ثري اغريقي بشراء هذه المجموعة الكاملة من أعمال الفنان والكاتب هانكوك. ويجب أن يكون المستثمرون على ثقة بأن أرباح عملية البيع هذه ستوضع في مشروعات غير مفيدة على الاطلاق، وأولئك الذين يتمنون أن يحضروا العرض للمتعة فقط يجب أن يكونوا على ثقة بأنهم سيرون مثل هذا... مثل هذا التحليل النافذ للفن المعاصر
العدد 191 - السبت 15 مارس 2003م الموافق 11 محرم 1424هـ