مع التهديد بوشوك وقوع حرب في العراق وانطلاق مسيرات المعارضين في الدول المجاورة، بعث مهرجان برلين للأفلام في هذا العام رسالة سياسية تركز على مواضيع مقلقة ولا تحمل اية اناقة مثل الابادة الجماعية واللاجئين وهي المواضيع التي حصلت أفلامها على أعلى جوائز منظمي المهرجان الذي يعتبر من بين أهم مهرجانات أوروبا الى جانب مهرجاني كان وفينيسيا، نجحوا في تحقيق عمل فذ حين جمعوا بين التألق والفتنة الالزاميين في الأفلام مع برهان على قوة هذه الأفلام في تناول مواضيع جادة وخطيرة. حتى عندما تكون الأفلام ليست سياسية علنا وتبحث في المصائر الخاصة لأفراد معينين، فقد سيطرت موضوعات مثل الموت والمرض على الأفلام، ويقول النقاد ان التوترات العالمية منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة ظهر تأثيرها في الأفلام. وتقول ناقدة الأفلام الألمانية مارغريت كولير ان الأفلام تميزت بحزن مؤكد وربما أيضا بتشاؤم مؤكد. وقد تم تناول أزمة العراق على الشاشة بدرجة أقل من تناول مشاهير هوليوود الذين حضروا المهرجان لها، وقد انتهى المهرجان، يوم الأحد 16/2/2003. وقد اغتنم كل من جورج كلوني، ودستن هوفمان، وادوارد نورتن، وسبايك لي، واوليفر ستون جميعهم الفرصة ليعلنوا معارضتهم للحرب ضد العراق. أما بالنسبة للأفلام، فيقول البعض إن عالم ما بعد 11 سبتمبر يشجع صناع الأفلام بشكل متزايد على مواجهة الحقائق التي لم تكن مسبقا تجد طريقها الى مهرجان كبير كهذا. يقول ناقد الأفلام البريطاني ديريك مالكولم إن هناك تحركا عاما نحو واقعية جديدة. وقد تم تلخيص هذا الاتجاه في الفيلم البريطاني In this world الذي فاز بالجائزة الأولى الدب الذهبي في يوم السبت 15/2/2003 وهو من اخراج مايكل وينتربوتوم، إذ يوظف هذا الفيلم أسلوبا شبيها بالأسلوب الوثائقي في متابعة لاجئين أفغانيين يحاولان الوصول الى ملاذ في انجلترا. نهاية الفيلم غير سعيدة، إذ ينجح أحدهما فقط في الوصول أما الآخر فيموت في ناقلة حاويات في الطريق الى ايطاليا. ويمعن الفيلم النظر فيما وراء الجدران في الامور المجهولة التي تفصل معظم الأوربيين عن المأزق الشديد للمهاجرين الذين يطلبون اللجوء في مجتمعاتهم، والفيلم يمثل أحد مداخل المنافسة الثلاثة التي تناولت موضوع الهجرة واللاجئين. تم افتتاح فيلمين آخرين يتناولان موضوع الابادة الجماعية وقد أكد هذان الفيلمان رسالة المهرجان لهذا العام. ومن الأفلام المشاركة فيلم «بابي يار»، وهو من انتاج الماني، ومن اخراج منتج الأفلام الاميركي جيف كانو، ويتحدث عن عائلتين تحاولان الهرب من مذبحة نازية جرت في العام 1941 لأكثر من 33,000 شخص في الاتحاد السوفياتي. هناك أيضا فيلم A Birch Tree Meadow وهو من بطولة الممثلة الفرنسية الاسطورية انوك ايمي التي تلعب فيه دور احدى الناجيات من المحارق النازية، ونراها تعود الى اوشويتز، إذ تصبح صديقة لمصور ألماني شاب كان جده يعمل في القوات السرية النازية.
تقول المخرجة مارسلين لوريدان ايفينز وهي نفسها احدى الناجيات من الأفران النازية، إن الفيلم يدور حول فقدان الذاكرة، وتواصل: لم يبق الكثير من الناجين منا وقد كان ضرورويا أن أقوم بهذا من أجل المستقبل. كما شارك المخرج الكندي اتوم ايجويان، الذي ترأس لجنة التحكيم، بفيلم Ararat، الذي يستكشف التعقيدات العاطفية التي برزت عندما حاولت سلالة الأرمينين مثل ايجويان، ان يتذكروا مشهد الابادة الجماعية لأسلافهم من قبل الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى. استمرار التركيز على مثل هذه الحقائق كان في أذهان بعض المراقبين الذين حضروا المهرجان الذي استغرق عشرة أيام والذي أقيم في ساحة بوتسدامر بلاتز، وهو المبنى ذو التقنية العالية المقام على قطعة أرض ضخمة والذي افتتح بعد سقوط جدار برلين في العام 1989، يقول ناقد الأفلام الايطالي فابيو فيرزيتي: أصدقائي يحسدوني لأنه يجب علي أن أقضي اسبوعين في برلين ولكن علي اخبارهم بأنني لست في برلين بل في بوتسدامر بلاتز. الطبيعة السياسية لمهرجان برلين لهذا العام تم الاعتراف بها من قبل مقدم حفل تسليم الجوائز الكوميدي الألماني انكي انجيليك الذي أطلق على الحفل اسم مهرجان السلام. وقبل ساعات فقط من اصطفاف النجوم على السجادة الحمراء في الاحتفال بتسليم الجوائز، تظاهر حوالي نصف مليون شخص معارضين للحرب ضد العراق في أحد الشوارع المجاورة في برلين.
الاسوشيتد برس
العدد 191 - السبت 15 مارس 2003م الموافق 11 محرم 1424هـ