في المشهد الافتتاحي لفيلم «Human Nature»، الفيلم الكوميدي الجديد الذي صنعه تشارلي كوفمان كاتب نص فيلـــم «Being john Malkovich»، يستخدم فأران ريفيان ذكاءهما لخداع صقر.
وفي مشهد الختام الحزين يقف المخلوقان الصغيران على حافة طريق ويحاولان ترك البرية وراءهما سعيا وراء ما يعتبرانه حياة لذيذة سهلة في نيويورك.
«Human Nature» (طبيعية البشر) هو فيلم عن ناس الارياف وناس المدن صنعه اناس منطقهم بوضوح هو منطق سكان المدن.
ويبدو هؤلاء انه يراودهم حنين حقيقي الى البرية والهواء الطلق، غير ان احاسيسهم الحضرية والمدى الميت لعواطفهم تحول دون الاقدام على خطوة تعبر عن ذلك الحنين بقوة بالتخلي عن الحضارة والانطلاق الى البرية.
وما نحصل عليه بدلا من ذلك هو فيلم يحثنا على ان نكون ملتزمين بغرائزنا، حتى ولو استمررنا في الاقامة بعيدا جدا عن الطبيعة. ويبرز الفيلم مقولته بأناقة تامة، ولكنها نقطة طالما ابرزت المرة تلو المرة من قبل حتى وإن كان الناس ينسونها في كل مرة.
وللاسف ان «الطبيعة البشرية» ليس اكثر جرأة في انتقاده لما يسمى الحياة المتمدنة لانه كان بوسع كوفمان ان يضفي عليها لمعات تجعل منه فيلما عظيما بدلا من مجرد فيلم طريف.
وتلعب باتريشيا اركيت دور «ليلا» الكاتبة التي تكتب عن البراري والتي هجرت المدينة الكبيرة بسبب مرض هورموني يجعل الشعر ينمو بكثافة على وجهها وجسمها. ولكنها تعود الى المدينة في النهاية لانها تريد ان تبحث عن زوج. وفي النهاية تعثر على احدهم مع انه يعاني من عيوب كثيرة، وهو يدعى «ناثان» (يتم روبينز) خبير السلوكيات المهووس الذي يمارس بتعليم آداب المائدة للقوارض.
ويصبح هوس ناثان محورا لاكبر المواقف الطريفة المضحكة في الفيلم. إن شخصيته ثقيلة الى حد السخافة ويطلق تعابير مثل «إذن وهكذا» في اول لقاء له مع ليلا. الا ان سخافة الشخصية تقضي على اي امل بأن يقدم الفيلم نقدا جديا للحياة العصرية. فناثان انسان فارغ الى درجة انه ليس هناك اي صراع حقيقي بين التحضر الذي يمثله وبين البراري الشاسعة التي تمثلها ليلا.
ولحسن الحظ انه قبل ان يتوافر لنا الوقت الكافي لتناول ذلك تنتقل الحبكة الى رجل يعتقد انه قرد (يلعب الدور رايس ايفانس) الذي تعرفنا عليه في فيلم «نيوتينغ هيل».
ويطلق ناثان ومساعدته المغنية غابرييل (ميراندا اوتو) عليه لقب Puff ويحاولان تمدينه عن طريق سلسلة من اختبارات التهذيب المعقدة.
وسرعان ما يتقن باف الفصاحة وآداب المائدة ويدمن على قراءة روايات الحوت «موبي ديك» اعتقادا منه ان ذلك سيجتذب الجنس اللطيف اليه. ولكن ناثان الذي يعيش حالة من الكبت الميؤوس منها لا يرى فرقا بين الجنس والوحشية ولذلك يمنع باف من التصرف على سجيته.
ويقول ناثان لباف: «اذا ساورتك الشكوك لا تفعل قطعا ما تريد ان تفعله».
وتؤرخ بقية الفيلم مراحل انتقال باف الى الحياة المتمدنة وعودته الى البرية في آخر المطاف. والاستنتاج (العبرة) ليس فيه بادرة تفاؤل - هل تذكر الفأرين - مما يعني ان كوفمان والمخرج مايكل غوندري كانا يطمحان الى قول شيء عظيم وليس مجرد سرد طرائف جيدة.
واذا كان الاثنان يريدان ان يبديا رأيا عظيما حول انفصام المجتمع عن الطبيعة فإنهما فشلا في مسعاهما. فالفيلم هو من السخافة بحيث يستطيعان ان ينفيا بجدارة انه لم يكن لديهما طموح من هذا النوع. إلا انه فيلم عاطفي وانيق الى حد انهما يستطيعان القول ايضا ان ذلك كان طموحهما اذا حاول احدهم ان يستدرجهما. «الطبيعية البشرية» من توزيع فاين لاين ويستغرق عرضه 96 دقيقة
العدد 191 - السبت 15 مارس 2003م الموافق 11 محرم 1424هـ