الحرب المحتملة على العراق والتي تنذر بأخطار بشرية واقتصادية وسياسية كبيرة، لا تقل خطرا عما سيلحق بالبيئة في الخليج، والخليج الذي يصنف من اكثر المناطق المائية تلوثا في العالم، إذ تزيد نسبة التلوث فيه 48 مرة على أية بيئة بحرية اخرى، وذلك قبل الحرب العراقية الايرانية، وغزو العراق للكويت. يرجع ذلك نتيجة الاستخدامات المكثفة المتعلقة أساسا بنقل النفط، ويقدر النفط المتسرب الى مياه الخليج بحوالي ربع مليون برميل سنويا مع العلم بأن مياه الخليج تتجدد كل خمس سنوات فقط عبر مضيق هرمز.
ولذا كانت الاثار الناتجة عن التلوث النفطي في مياه الخليج السبب في توقيع اتفاق الكويت وانشاء المنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية ( ROPME ) سنة 1978، الخاصة بالتعاون الاقليمي في مكافحة التلوث بالنفط والمواد الضارة الاخرى في الحالات الطارئة، وحماية وتنمية البيئة البحرية والمناطق الساحلية، وكانت البحرين ضمن نطاق العمل لهذه المنظمة.
وما رصدته الدراسات قبل وبعد الحربين السابقتين من آثار تدميرية للبيئة في الخليج يستدعينا لأن نبين خطورة الوضع البيئي في المنطقة اذا ما نشبت الحرب، والاثار المنعكس على الخليج والبحرين، وضرورة التحرك من اجل حماية البيئة والمنطقة من الدمار المحدق بها.
الخليج يعتبر من البحار شبه المغلقة مساحته تقدر بحاولي 250 كيلو متر مربع، ويقدر حجم المياه الموجودة فيه بحوالي 7860 كيلومتر مكعب، ويبلغ طوله 1000 كيلومتر وعرضه الذي يبلغ اقصاه 338 كيلومترا واقله 56 كيلومترا عند مضيق هرمز. ويبلغ طول سواحل الخليج 3340 كيلومترا.
يصنف الخليج بانه حوض ضحل، مياهه هادئة، تتميز فيه السواحل الشرقية بالعمق إذ يتراوح العمق بين 90 و 100 متر، اما السواحل الغربية فتمتاز بوجود تجمعات المرجان والتلال والقباب الملحية.
وبالاضافة الى الموقع الاستراتيجي للخليج وكونه منطقة عبور مهمة فهو يزخر بالعديد من الاحياء البحرية من الاسماك بانواعها والربيان ومصائد اللؤلؤ وكذلك استخدام مياهه لتوليد الطاقة ولتحلية المياه.
ويخرج من هذه المنطقة ثلث النفط المستهلك من قبل العالم الغربي.
تعرض الخليج للكثير من الكوارث النفطية، التي ادت الى اثار بيئية خطيرة، ففي العام 1980 تدفق اكثر من 40 الف برميل من النفط الخام من ناقلة ليبيرية (فورتشن) بالقرب من دبي، وفي العام 1982 غرقت احدى السفن اليونانية ولم تعرف كمية النفط المتسرب منها، وفي ابريل/نيسان 1983 قصفت الطائرات العراقية حقل نوروز البحري الايراني الذي ادى الى تسرب 150 - 200 الف برميل من النفط الخام، وانتشرت البقع النفطية على كثير من السواحل ومنها سواحل البحرين، الامر الذي ادى الى توقف العمل في محطات التحلية. وتعرض الخليج لاثار بيئية كارثية في حرب تحرير الكويت العام 1991 حينما قام الجيش العراقي بضخ ما يقارب من 11 مليون برميل من النفط الثقيل من ميناء الاحمدي الذي كون بقعة نفطية بلغ طولها حوالي 60 ميلا وصلت تاثيراتها المباشرة وغير المباشرة الى كل مياه الخليج.
أودى التسرب النفطي في مياه الخليجي بالطيور المحلية والمهاجرة، فقد ادى الى نفوق اكثر من 30 الف طير، وادى كذلك التسرب النفطي الى الاضرار بالحياة البحرية في جميع سواحل الخليج، إذ تسممت الاعشاب والاحياء الدقيقة والشعاب المرجانية، وهي البيئة الجيدة لنمو وتكاثر الاحياء البحرية ما أدى الى نفوق أكثر من 52 نوعا من الاحياء البحرية.
وبما ان الخليج لم يفق بعد من اثار الحروب السابقه فإن من الاخطار المحدقة ببيئته البحرية هو اختفاء اعداد كبيرة من الطيور البحرية التي تهاجر اليه في بعض المواسم، وكذلك الاضرار بالثروة السمكية التي يعتمد عليها سكان الخليج بشكل كبير في الغذاء، والبحرين التي تضم انواعا عديدة وفريدة من الطيور والاسماك، فهي قد تكون مهددة بالاختفاء.
ومن الاخطار المحدقة بالبيئة البحرية في البحرين وباقي دول الخليج هو كون هذه الدول تعتمد على مياه البحر كمصدر رئيسي للشرب من خلال تحليتها في ظل النقص الكبير في مصادر المياه العذبة وهناك الكثير من العناصر المضرة في النفط ممكن أن تذوب او تتحلل في ضوء الشمس مكونة مواد سامة. وكذلك ستسبب الحرب المرتقبة شحا كبيرا في المواد الغذائية في البحرين وباقي دول المنطقة التي تعتمد على غذائها من خلال استيراده، لكون المنطقة ملوثة بالبقع النفطية ومنطقة خطرة لكونها منطقة حرب قد تستخدم فيها اسلحة دمار شامل الذي سيتسبب بمنع الملاحة البحرية في الخليج وبالتالي انقطاع وصول الغذاء للمنطقة.
كذلك ادى احتراق اكثر من 730 بئرا نفطيا اي ما نسبته 80 في المئة من ابار الكويت، الى تكوين سحب خامية وصلت تأثيراتها الى اعالي جبال الهملايا بل ان بعض الدراسات ترجع اسباب الاعصار الاستوائي الذي ضرب بنجلاديش في ابريل 1991 الى مسار الدخان المتصاعد من الابار المحترقة. وتقدر كمية الدخان الناتج عن احتراق الابار النفطية في الكويت من 30 - 60 الف طن في اليوم، لها اضرار بالغة على الانسان إذ تسبب تلوث الجو بهذا الدخان في حدوث امراض مختلفة، ولها اضرار على النبات إذ تشير بعض الدراسات الى ان تلوث النبات بالنفط يؤدي الى التقليل من قدرتها على النمو والانتاج فضلا ان بعض النباتات تفقد قدرتها على انتاج البذور.
وقد سقطت على المنطقة امطار سوداء في شتاء 1991 وهي ذات حموضه عالية سببت الكثير من الاثار في التربة والمحاصيل الزراعية والنباتات البحرية في منطقة الخليج، وكذلك من الاخطار التي لحقت بالبحرين نتيجة الغيوم المتكونه جراء حرق الابار النفطية تلوث الجو وسقوط امطار سوداء تخللت الى المياه الجوفية.
وهناك مخاوف من استغلال المنطقة في تجربة اسلحة جديدة بيولوجية وكيماوية وهو ما لا تتحمله البيئة في المنطقة
العدد 191 - السبت 15 مارس 2003م الموافق 11 محرم 1424هـ