منذ نحو ثلاثين عاما ارتكز حق النقض الفيتو الاميركي في الأمم المتحدة على السياسة الخارجية الاميركية. اذ استخدمت الولايات المتحدة الفيتو بشكل وقح اكثر من سبعين مرة كان آخرها لإفشال قرار مجلس الأمن الذي يدين القتل الاسرائيلي لموظف الامم المتحدة البريطاني الجنسية، ايان هوك في جنين في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
غالبية حق النقض الفيتو الاميركي كانت في دعم حليفتها اسرائيل. فقد صوتت الولايات المتحدة بالفيتو ضد قرار يدعو إلى الانسحاب الاسرائيلي من مرتفعات هضبة الجولان السورية في يناير/ كانون الثاني 1982. وصوتت بالفيتو ضد قرار يدين قتل احد عشر مسلما بواسطة القوات الاسرائيلية بالقرب من المسجد الاقصى في ابريل/ نيسان 1982، وضد قرار يدين المجزرة الاسرائيلية لنحو 106 لاجئين لبنانيين في معسكر الأمم المتحدة في قانا في ابريل 1986. وهكذا يمكن أن تملأ القائمة صفحة كاملة من هذه الصحيفة.
الآن أخبرنا جورج بوش الابن بأن مجلس الأمن سيصبح من دون جدوى اذا استخدمت كل من فرنسا والمانيا وروسيا حق النقض الذي تستحقه؟ لقد عجبت مرارا وفي أحيان كثيرة إلى أين سيقود هذا النفاق لدى ادارة بوش؟ انني مندهش كثيرا من ذلك.
هنا توجد فكرة بسيطة يمكن أن تجعل الادارة الاميركية مستاءة اكثر وحتى واعية اكثر بالتزاماتها تجاه بقية العالم. انه قرار منسي للجمعية العمومية للامم المتحدة يستطيع أن يوقف غزو العراق، وهو أثر باق من الحرب الباردة. ومن سخرية القدر، أن ذلك القرار قدم من قبل الولايات المتحدة لمنع فيتو روسي في زمن الحرب الكورية، ونفذ فعليا في زمن أزمة السويس. اذ أن قرار الأمم المتحدة رقم 377 يسمح للجمعية العمومية بأن توصي بالعمل الجماعي «اذا فشل مجلس الأمن، بسبب عدم وجود اجماع لدى الاعضاء الدائمين، في ممارسة مسئوليته المبدئية لحفظ السلم والأمن الدوليين».
ويمكن أن يستخدم هذا الجزء من التشريع الغامض والمثير في الامم المتحدة - الذي تم التصديق عليه في العام 1950 وعرف مبدئيا بقرار «اتحاد السلام» - لمنع السادة بوش وبلير من دخول الحرب اذا تم التصويت بالفيتو ضد خططهم في مجلس الأمن بواسطة فرنسا أو روسيا. مبدئيا، يجعل هذا القرار من الواضح أن تتدخل الجمعية العمومية لدى الأمم المتحدة - كما فعلت عشر مرات في الماضي - اذا لم يتوصل مجلس الأمن إلى اجماع.
طبعا، تعتبر الجمعية العمومية هيئة مختلفة تماما في العام 1950 عن ما هي عليه الآن. إذ كان العالم ما بعد الحرب منقسما على نفسه وينظر الغرب إلى أميركا بأنها حامية اكثر من كونها قوة امبريالية محتملة. كان الهدف الأولي من الأمم المتحدة - ومازال يفترض أن يكون - هو حفظ السلام والأمن الدوليين.
وقد أشار، المحامي دونكان كوراي، الذي يعمل لدى السلام الأخضر إلى رأي قانون يهدف إلى أن فقرة القرار 377 توفر تفويضا أنه في «أية حال يظهر أن هناك تهديدا للسلم وانتهاكا للسلام أو عملا عدوانيا» يجب ان «تدرس الجمعية العمومية الأمر فورا» ما يعني أن الجمعية تستطيع - بما أن «التهديد» و«الانتهاك» قد ذكرا منفصلين - أن تدعو إلى جلسة قبل بدء تلك العدائيات والحروب.
وطبعا هذه الانتهاكات قد حدثت فعلا في الهجوم الجوي الاميركي على بطاريات اسلحة مضادة للسفن الحربية بالقرب من البصرة في 13 يناير العام الجاري.
يستطيع البيت الابيض - وقراء صحيفة الاندبندنت وربما قليل من مسئولي الامم المتحدة - الاطلاع على قرار الامم المتحدة 377 على موقع الانترنت http://www.un.org/depts/dhl/landmark/pdf/ares773e.pdf.
ولكن اذا ألقى بوش نظرة على هذا القرار ربما لا يستطيع ما اذا كان يضحك أو يبكي. ولكن اليوم اصبحت الجمعية العمومية هي فقط مكان بكاء العالم فكفى صراخا.
روبرت فيسك - خدمة الاندبندنت
العدد 191 - السبت 15 مارس 2003م الموافق 11 محرم 1424هـ