يحفل التاريخ العالمي الحديث والمعاصر بالحالات التي وجدت فيها شعوب ودول نفسها في لحظات كارثية، سواء كانت تلك اللحظات نتيجة تراكم سياسات ادت للوصول الى الكارثة، او ان احداثا بعينها جعلت بلدا او شعبه في ظل كارثة تهز كيانه، وتفتح ابوابه على المجهول.
ووصول الشعوب والدول الى لحظة الكارثة مربوط في غالبية الاحيان بخضوعها للأنظمة الشمولية، التي لايكاد «الباطل» يأتيها من اي جهة كانت بفعل حكمة الزعيم القابع على رأس السلطة، ورؤيته الثاقبة ومحبة شعبة واخلاصه له، وحرص الزعيم الحاكم على مصالح بلده ومستقبل شعبه.
وسط ذلك اللغو وتلك الشعارات الفارغة، وجدت المانيا نفسها في اتون الكارثة التي قادها اليها زعيمها النازي ادولف هتلر، وكذلك صار حال ايطاليا بزعامة الدكتاتور موسوليني، وقريبا من الاثنين كانت اليابان شريكتهما في الحرب العالمية الثانية.
وقسوة الكارثة التي احاطت بتلك البلدان، لم تمنع وصول غيرها - وإن يكن من مآرب وطرق اخرى - الى كوارث مماثلة الى اسباب متعددة ومعقدة على غرار ما شهدته بلدان كثيرة في الخمسين عاما الماضية منها اندونسيا والفلبين وتشيلي وايران حين قادت السياسات الدكتاتورية تلك البلاد ان الى كوارث، مازالت تثقل تاريخها على نحو ما فعل دكتاتور تشيلي بينوشيت، ومثيله شاه ايران. ومثل غيرها، فقد وصلت بلدان عربية كثيرة حدود الكارثة، او غرقت فيها منذ خمسينات القرن الماضي، وكان في عداد تلك الحالات وصول سورية في عهد اديب الشيشكلي حافة الكارثة بعد ان هددت سياسته البلاد بالانقسام وجعلتها على بوابة الحرب الاهلية في العام 1954. ولحقت الكارثة مصر نتيجة حرب العام 1967 عندما انهار الجيش المصري، وصار طريق العدو الاسرائيلي مفتوحا الى القاهرة. شهد اليمن الجنوبي كارثة كبرى في العام 1986 عندما اندلعت الحرب الاهلية نتيجة تنافس زعماء الحزب الحاكم على السلطة. ووصول الشعوب والدول حدود الكارثة او الدخول فيها، ترك ردودا مختلفة لدى زعماء وقادة تلك الدول، ففي المانيا، انتحر هتلر بعد ان تيقن ان بلده دمرت، وقبض على دكتاتور ايطاليا موسوليني واعدم وفضل دكتاتور سورية الشيشكلي مغادرة البلاد سرا لمنع انقسام الجيش، ودخول البلاد الحرب الاهلية وقرر عبدالناصر التنحي عن السلطة في ثالث ايام حرب 1967 متحملا مسئولية الهزيمة، بينما انتهى قادة الحرب الاهلية في اليمن الجنوبي الى القبور او الى المنفى.
وتستعاد تلك التجارب المرة مترافقة مع ما صارت اليه حال العراق، وقد دخل الكارثة منذ زمن، إذ دمرت امكاناته المادية والبشرية في حربين واستنزفت ثرواته هبات ورشا للقريبين والبعيدين وهجر نحو ربع سكانه لاسباب غالبيتها سياسي، ومات ملايين العراقيين نتيجة سياسات النظام وممارساته او نتيجة الحصار الدولي المفروض على العراق. ولم يقتصر حال العراق على ما سبق، إذ هو يستعد لدخول «ام الكوارث» في الحرب الاميركية المحتملة عليه، التي ستكون لها نتائج، تتجاوز ما سبق في خسائر مادية وبشرية، وصولا الى تهديد كيان العراق ووحدة شعبه، واحالتهما الى المجهول.
ويرتبط ما صار إليه العراق من كوارث، وما يمكن ان يلحقه من «ام الكوارث» بالنظام الشمولي الحاكم وبسياساته التي يرسمها ويتابعها الرئيس الذي تتخذ الحرب الاميركية المحتملة من اسقاطه هدفا اساسيا في اهدافها. وواقع العراق الكارثي، يعيد طرح خيارات القادة والزعماء الذين واجهت شعوبهم ودولهم اوضاعا وحالات مماثلة، فكانت مواقفهم متفاوته ومختلفة، بعضهم انتحر وفق مافعل هتلر، وبعضهم واجهوا الموت مثال موسوليني والبعض استقال وغادر الى المنفى مثل الشيشكلي... وشاه ايران فضل في لحظات حكمه الاخيرة ان لايواجه شعبه الثائر.
ترى اي خيار، سيختاره الرئيس العراقي لمواجهة الكارثة التي صار اليها العراق توشك ان تدخله في تطور جديد؟
العدد 191 - السبت 15 مارس 2003م الموافق 11 محرم 1424هـ