مع ان الشعوب العربية تعيش احباطات متتالية مع زعمائها فإن البعض كان لايزال يأمل أن تتحول هذه الاحباطات الى امانٍ جميلة بفعل توحد قادة الأمة العربية لاسيما في مثل هذه الازمة التي تعصف بكل الأنظمة العربية ومعها الشعوب العربية، إلا أن هذه الاماني تبددت بعد انتهاء مؤتمر القمة الذي عقد في مصر، فقرارات هذا المؤتمر لم تخرج عن المألوف الذي تعودته هذه الشعوب من زعمائها في مثل هذه القمم، فكلهم جمعوا على رفضهم لهذه الحرب وأكدوا أنهم لن يشاركوا فيها... واكتفوا بهذه الكلمة المطاطة كما وصفها وزير خارجية قطر فيما بعد.
الرفض الذي تحدثوا عنه لم يصفوا لنا كيفيته ولا طريقة تطبيقه، لم يتحدثوا عن القواعد الاميركية ولا عن الاعداد الهائلة من الجيوش التي تملأ هذه القواعد والتي تنطلق منها لغزو العراق، لم يضعوا خطة واضحة المعالم لدعم العراق، ولم نسمع كلمة واحدة في نقد الاميركان، وانفض الاجتماع وكأن شيئا لم يكن وأصبح لسان الشارع العربي وكأنه يقول: «كأنك يا بوزيد ما غزيت». وبعد هذا الاجتماع سارعت قطر بالدعوة الى عقد اجتماع طارئ للقمة الاسلامية وللهدف نفسه. ويحار المرء في معرفة سر حرص العرب على عقد هذه الاجتماعات مع معرفتهم المسبقة بنتائجها ومع معرفتهم أيضا بأنهم لن يفعلوا شيئا. وحدث ما كان يتوقعه معظم الناس، إذ انتهت اجتماعات القمة الاسلامية ببيان رافض للحرب ومطالب في الوقت نفسه بعدم المشاركة فيها، وانتهى كل شيء ولم يتحقق للعراق أي شيء. وبعد هذا الاجتماع خرج علينا وزير قطر - كعادته - ببعض التصريحات التي يتهم فيها القادة العرب بأنهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر ويؤكد أن هؤلاء القادة لا تجمعهم كلمة ولا يربط بينهم هدف مشترك، وتحدث بإسهاب عن القواعد الأميركية في الخليج وأكد أن القوات الأميركية ستنطلق من هذه القواعد لغزو العراق على رغم كل ما قيل عن عدم المشاركة في هذه الحرب، وحاول أثناء حديثه عن هذه القواعد ان يلتمس العذر لقطر في دعوتها الجيوش الأميركية وفتحها القواعد لها. ومع انني امتدح الصراحة التي يتحدث بها الوزير القطري فإنني لا أشاركه الرأي، فهذه الصراحة يجب أن تحترم العقل العربي اولا والقطري ثانيا. فأن يعترف الوزير أن في قطر قواعد أميركية وان الاميركان سينطلقون من هذه القواعد لغزو العراق فهذه صراحة تحسب له، ولكن تبرير هذا العمل السيئ واخراجه بصورة مقبولة، فهذا ما لا يمكن قبوله ولا تبريره. القول ان قطر دولة صغيرة ولهذا عملت على حماية نفسها بهذه الجيوش أمر لا يقبله احد ولا يقر به عاقل حتى القطريون الذين يظن الوزير أنهم على رأيه.
لماذا لا تحمي قطر نفسها بأبنائها؟! ألا تثق بهم؟! ألا يكفي هؤلاء لحماية بلدهم؟! ثم ممن تخاف قطر حتى تطلب إلى الأميركان حمايتها؟! من يهددها من جيرانها ولماذا؟!
لم يقل لنا الشيخ حمد شيئا من هذا - على رغم صراحته - مع ان كل هذه الأسئلة تقفز الى الذهن سريعا عندما نسمع مثل تلك الأقوال التي يرددها الوزير باستمرار. ثم لم يقل لنا الشيخ حمد لماذا يسمح لهذه القوات بغزو دولة عربية انطلاقا من أراضيه إذا كان الهدف منها حماية قطر وحدها، وهل العراق تهدد قطر؟ اسئلة كبيرة لم يستطع الشيخ حمد الاجابة عنها بل لعله كان يتعمد ألا يقترب منها لسبب لا نعرفه. الكويت هي الاخرى تتصرف بصورة تستفز المشاعر العربية بل وتثيرها اشمئزازا ولا تحقق لها في الوقت نفسه أي مكاسب. الكل يعرف أن أعدادا هائلة من الجنود الأميركان والبريطانيين في الكويت والكل يعرف أن هؤلاء سينطلقون من الكويت لغزو العراق والكل يعرف أن الكويت اخلت قسما كبيرا من أراضيها لهذه القوات، ومع هذا كله فالكويتيون هم الآخرون يؤكدون أنهم لن يشاركوا في هذه الحرب، ويحار العاقل - بل وغير العاقل - في فهم هذا الكلام. ولم يكتفِ الكويتيون بهذه التصريحات التي لا يقبلها أحد، بل تمادوا في استفزاز المشاعر العربية وأعلنوا جهارا دعوتهم إلى قبول المزيد من القوات الأميركية عندما رفض البرلمان التركي قبول هذه القوات. ومع هذا كله فهم مازالوا يؤكدون عدم مشاركتهم في هذه الحرب ولا ندري كيف تكون المشاركة اذا كان ما يقوم به هؤلاء لا يعد مشاركة. لعله ينطبق عليهم ما يقوله الوزير القطري من انهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر أو أنهم يستخدمون الكلمة المطاطة «عدم المشاركة» ويفسرونها كما يحلو لهم مستهزئين بعقول الناس، ساخرين من هذه العقول. أما دولة الامارات فهي الاخرى ساهمت في كلتا القمتين وحاولت طرح مبادرتها التي تتلخص بدعوة صدام حسين إلى التخلي عن حكم بلاده معللة هذه الدعوة بأنها المخرج الوحيد لحل الأزمة في العراق.
اللافت إلى النظر الحماس الشديد لهذه الدعوة واتهام الآخرين الرافضين لها بعدم استيعابهم لها واحيانا بأنهم منافقون يظهرون شيئا ويبطنون شيئا آخر. ومع ان الكثيرين لا يحبون صدام ويودون منه ان يغادر السلطة في اسرع وقت - وانا واحد من هؤلاء - فإنني لا أتفق مع طرح الاخوة في الامارات جملة وتفصيلا وأرى ان هذه المبادرة جاءت في غير الوقت المناسب وانها ستفسر بأنها استجابة إلى مطالب اميركية، كما ان الاميركان لن يكتفوا بتنحي صدام حسين - لو افترضنا ان هذا التنحي قد يقع - لأنه لا مصلحة لهم من هذا التنحي فهم يبحثون عن ثروة العراق ولا يهمهم صدام ولا سواه. لم تقل لنا هذه المبادرة كيف يضمن العرب الحفاظ على العراق لو تنحى صدام ومن سيجبر الاميركان على الرحيل من الارض العربية ومن سيتولى هذه المسألة؟! وكيف؟
يبدو ان دولة الامارات لم تفكر كثيرا في هذه المسألة ولم تستطيع الربط بين المصالح الاسرائيلية والمصالح الاميركية في غزو العراق. يبدو انهم لم يدركوا ان الاميركان قد اتخذوا قرارهم بغزو العراق منذ فترة طويلة وانهم انما يبحثون عن ذرائع لهذا الغزو ولا يبحثون عن مبررات للابتعاد عنه مهما كانت هذه المبررات. اعتقد انهم لو تفهموا كلام بوش عن الحرب الصليبية التي يريد شنها على الاسلام لتمهلوا قليلا قبل طرح تلك المبادرة، ولو تابعوا ما كتبته مجلة «ديرشبيجل» الالمانية يوم 17 فبراير/ شباط عن الحرب الاميركية تحت عنوان «في مهمة إلهية حرب جورج بوش الصليبية» إذ أكد كاتبا التقرير ان الرئيس الاميركي لا يريد باجتياحه العراق إلا ان يقوم بتنفيذ تكليف إلهي يقوم على افكار مسيحية متطرفة وإلى الحد الذي اصبح فيه المسيحيون المحتمون يطالبون علنا بشن حرب صليبية ضد الاسلام. فهل بعد هذا التأكيد الذي صدر عن مسيحيين يمكن القول إن الاميركان سيوقفون حملتهم تلك اذا تنحى صدام؟! انهم يريدون احتلال العراق واضعاف بقية الدول الاخرى امام «اسرائيل». ألم يقل الرئيس الاميركي قبل ايام ان التغيير الذي سيحصل في العراق سيكون النموذج الامثل لكل انواع التغيير الذي سيحصل في الدول العربية من المغرب وحتى البحرين؟ هل بعد هذا كله يمكن القول ان مبادرة تدعو إلى تنحي صدام يمكن للاميركان ان يقبلوها؟! وهل يمكن لهذه المبادرة ان تجعلهم يرحلون عن ديارنا؟! ان هذه المبادرة وفي هذا الوقت بالذات انما هي اضعاف للموقف العراقي وللموقف العربي أيضا وكان من الافضل أن تتوجه الدول العربية إلى دعم الموقف العراقي في هذا الوقت. ان القبول بمطلب تنحية قائد عربي في هذا الوقت قد يتكرر في المستقبل مع قائد عربي آخر، فهل يمكن قبول مثل هذه المطالب؟! هل يمكن القول ان الاميركان اذا لم يقبلوا حاكما عربيا يبدأ الآخرون بالمطالبة بتنحيته؟!. ان ما جرى في القمة العربية وفي القمة الاسلامية كشف بوضوح عن عورات هذه الامة وأكد بوضوح ان كلمتها متفرقة وان هدفها غير محدد وغير واضح. وعلى رغم ان المصائب في العادة توحد بين الناس وتجمع كلمتهم فإن هذه المصائب وقفت عاجزة على توحيد قادة الامة العربية ويبدو انهم بحاجة إلى مصائب من نوع ثقيل كي يدركوا اهمية اجتماع الكلمة، فهل ننتظر هذه المصائب أم ان وحدة الامة يمكن ان تتحقق بطريقة اخرى؟
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 191 - السبت 15 مارس 2003م الموافق 11 محرم 1424هـ