لعل عددا من الذين تم انتخابهم لمجلس النواب أو تعيينهم في مجلس الشورى مازالوا لا يعلمون بالدور الذي ينبغي عليهم القيام به. وعلى رغم ان مجلس النواب بدأ أخيرا التحرك بجدية لإثبات قدراته، وخصوصا فيما يتعلق بتمليك الأراضي لأشخاص ثم إعادة شرائها من الدولة، ما يعني الهدر التام لإمكانات الدولة من دون أي مبرر عقلاني أو عادل، إلا أن عددا آخر منهم مازال يبحث عن وسائل الراحة والترفيه لنفسه ويقارن ذاته بما يحصل عليه الآخرون من هدايا ومزايا مجانية، لأنهم احترفوا بيع الكلام واحترفوا التملق على حساب الأمة. وتؤدي هذه المقارنة مع الذين يعيشون في رفاهية مجانية على حساب الآخرين إلى اختلال الموازين وعدم فهم جوهر العمل التشريعي والرقابي الذي ينبغي ألا يستجدي عطاءات من الحكومة لأنه مساوٍ لها.
والغريب في الأمر أن بعض النواب يتحدثون عن وجوب تخصيص سيارات راقية لهم من الحكومة، وهم بذلك يحددون موقعهم من الإعراب. فبدلا من أن تكون الهيئة التشريعية مساوية للهيئة التنفيذية تتحول إلى مجرد تابعة للأخيرة، شأنها شأن اللجان الحكومية الاستشارية التي ليس لها أسنان، وتنتظر «رحمة» الحكومة عليها ماديا ومعنويا، وإلا انتهت من الوجود.
وعلى رغم اننا لا نطمح إلى أن تتحول البحرين إلى دولة ديمقراطية على النهج الموجود في دول متقدمة مثل بريطانيا وفرنسا وغيرهما، فإن طرح المفهوم من خلال ضرب الأمثلة بما يحدث في تلك البلدان يخدم في توضيح المراد قوله... ففي بريطانيا مثلا، يختص مجلس العموم المنتخب بكل القضايا المالية وهو الذي يحدد مخصصات (معاشات) الوزراء جميعهم وأعضاء البرلمان (العموم يحدد معاشاته لنفسه، بينما مجلس اللوردات لا يحصلون على معاشات) وأية هيئة رئيسية في أجهزة الدولة. والمفهوم المتبع بسيط، «فالمال عديل الروح»، والتعامل مع «المال» يحدد ما إذا كانت الأمور صالحة أو فاسدة في هذا البلد أو ذاك.
التعامل مع المال العام هو أخطر ملف يواجه أي بلد يحاول السير في الاتجاه الديمقراطي... فالديمقراطية تعني أساسا المشاركة في القرار السياسي والمشاركة في الثروة، والوسيلة العصرية الرئيسية لتحقيق هاتين المشاركتين هي البرلمان. ولكي يستطيع البرلمان القيام بهذا الدور فإن أعضاء البرلمان عليهم أن يفهموا دورهم جيدا ويستشعروا مسئولياتهم، وحتى لو كانت هناك مظاهر غير حسنة مثل وصول من لا يستحق عضوية نواب أو شورى إلى البرلمان، فإن وجود عدد محدود، حتى ولو عشرة أشخاص فقط، بإمكانه أن يوجه المسيرة السياسية إلى الأفضل.
وهذا هو ما يحصل أيضا في بلدان أخرى. ففي البرلمان البريطاني يزداد الحديث عن أعضاء البرلمان غير اللائقين الذين يتسلمون «هدايا» من هذا الطرف أو ذاك، ولكن الفرق ان هناك توجد عدة ضوابط. فمن ناحية هناك مراقبة شديدة وإذا ثبت أن عضوا برلمانيا تسلم «هدية» أو «مالا» من أحد مقابل تأدية عمل ما له داخل البرلمان فإن مصيره قاتم جدا على جميع المستويات. ومن جانب آخر هناك عدد لا بأس به من الأشخاص الذين يثق فيهم الشعب، ولا يصدقك أحد في بريطانيا لو قلت ان فلانا (بغض النظر عن اتجاهه السياسي) يتسلم مالا أو هدية. وهؤلاء الأشخاص/الرموز يعتبرون المؤشر الأفضل لوجود حياة ديمقراطية خالية من الفساد والرشوة والمحسوبية والمنسوبية.
البرلماني النزيه والصحافي الشريف والمسئول الذي لا يخلط مصالحه الخاصة مع المصالح العامة، والشخصيات المؤثرة في المجتمع هم حماة الوطن وهم الذين يقودون مسيرة الخير والعدالة. أما إذا كان البرلماني مثل الصحافي وهؤلاء مثل المسئول، لا فرق بين ما يقومون به، بل ويلهثون وراء المصالح الشخصية فإن وجودهم أكثر ضررا من عدم وجودهم.
البرلمان، وخصوصا المنتخب، مسئول أمام المواطنين وهو أهم من الوزير، بل ان الوزير تجب عليه الإجابة على أسئلة النائب. كما ان النائب لا يليق به أن يطلب من الحكومة مالا أو مخصصات، بل العكس يجب أن يكون. والنائب الذي لا يتصرف وكأنه سلطة رقابية وتشريعية يتحول إلى ما يطلق عليه الكويتيون «نائب خدمات»، وهو الذي يسعى إلى تسهيل الخدمات لنفسه (من خلال التملق إلى السلطة التنفيذية)، ويقوم أيضا بتسهيل الخدمات لمن يتملق إليه. ونواب الخدمات لا يقتلون الحياة البرلمانية فقط، وإنما يفسدون القرار السياسي ويشوشون على العمل البلدي. ففي الكويت ينافس نواب الخدمات أعضاء المجلس البلدي، لأن أولئك النواب يحولون أنفسهم إلى أنشطة هي من صلب البلديات ومن صلب الوزارات الخدمية. ونحن في البحرين لا نتحمل مزيدا من هؤلاء الأشخاص، فلدينا الكثير منهم، ووجودهم يعتبر مؤشرا إلى سوء الحال الاقتصادية والسياسية، لأنهم يمتصون الخيرات ويفسدون القرارات الحسنة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 191 - السبت 15 مارس 2003م الموافق 11 محرم 1424هـ